جعفر عباس

عن الجاهلية الصحية


عن الجاهلية الصحية
في الأنباء ان الخليجيين استهلكوا فياغرا بنحو 70 مليون دولار خلال عام …2009 شوارب وكروش وقيافة وكشخة ونفخة على الفاضي؟ لا، ليس تماما، فهذا العقار مهم للملايين من بين البشر، لأنه يعني الفرق بين بيت تسمع فيه طنة بعوضة من على بعد عشرين مترا، وبيت يضج بالشقاوة والصراخ البهيج، ولكن استهلاك الفياغرا مرتفع عندنا لسبب لا صلة له بنوع العلة التي تعالجها، استطيع ان أجزم ان 50% من الفياغرا المتدوالة في منطقتنا يتعاطاها أناس ليس لهم بها حاجة، والغريب في الأمر ان اولئك الذي يناضلون كي يحصلوا على الفياغرا بالواسطة ويشترونها من السوق السوداء او يقتنون انواعا مقلدة منها وقاتلة، بشرائها عبر الانترنت، نفس هؤلاء الناس يتجاهلون توجيهات الاطباء بشأن الانتظام في تناول – مثلا -عقاقير ارتفاع ضغط الدم والسكري، وهل صارت المضادات الحيوية عديمة الجدوى إلا لأن الناس لا يكملون الجرعات التي حددها لهم الاطباء؟ وفي بيت كل واحد منا تجد شخصا او أكثر يقول لك: من يومين ما أخدت دوا القرحة!! وتسأله: لعلك منتظم في تعاطي دواء ارتفاع ضغط الدم؟ فيرد عليك: أي ضغط يا حبيبي؟ ما فيني شيء.. هذا الدكتور حمار… كل ما أروح له يقول لي ضغطك عالي… والله ما في غيره رفع ضغطي… هلكني بالدوا… شلته كله رميته في الزبالة ومن يومها وأنا زي الحديد!! وبالتأكيد سيكون مثل الحديد يوما ما إذا اصابته جلطة سببت له الشلل!! ونفس هذا الشخص الذي وصف الطبيب بالحمورية، ويعتقد انه ليس بحاجة الى دواء لاحتواء مرض مزمن او مهدد للحياة، قد لا يتردد في شراء فياغرا لا يعرف مصدرها، ولا ما إذا كانت حالته الصحية تسمح له بتعاطيها.
ولابد ان نكون صرحاء مع انفسنا ونعترف بأن الجنس صار هوسا، في عصر صارت فيه القنوات التلفزيونية الفضائية هي ماما وهي بابا وهي دادة، فالناس باتوا يلتصقون بالتلفزيونات اكثر من التصاقهم بالآباء والأمهات والأشقاء، وكل غنائنا المتلفز تقريبا صار وليمة مستترة للجنس، وحتى نشرات الأخبار صرنا عاجزين عن متابعتها لأن مفاتن المذيعة المعروضة على الشاشة تزغلل عيوننا، وتحصر انتباهنا في جهة واحدة!! وتمتلئ الشاشة بجثث القتلى والجرحى، فلا نرى من ذلك شيئا لأن ست الحسن تعرض بضاعة أفضل من الجثث والدماء!! وبيت القصيد عندي هو أننا نعبث بصحتنا ونستهتر بها وبالأدوية المطروحة في الصيدليات،.. وقد أدى الهوس الجنسي المعلن والمستتر الى هوس جديد هو الرشاقة،.. وشوارعنا شاهدة على ان لدينا فقط صنفان من النساء: كاسحات الالغام اللواتي يعطلن حركة المرور واولئك اللواتي يعانين من الجوع الطوعي، والبدناء يتجاهلون نصائح الاطباء بتفادي الطعام الذي يحوي الكثير من الدهون والسكريات والنشويات طالما ان هناك ادوية تخفض الكولسترول واجهزة تنظم ضربات القلب، والباحثات عن الرشاقة يرفضن الطعام تماما ويستعضن عنه بالبدائل المعلبة المسماة stnemelppus yrateid ولو تعاطى الانسان افضل الفيتامينات والحديد والكالسيوم الذي تنتجه كبريات شركات الادوية، فإنه لن يكون قد اعطى جسمه حاجته من الغذاء الضروري، بل من المؤكد ان كل تلك العقاقير المسماة بالمقويات لها تأثيرات ضارة لأن في تركيبتها مواد كيميائية اصطناعية!
ولي سؤال غير بريء أوجهه الى الشبان الذين يتعاطون الفياغرا: ألا تقرأون الحكاوي اليومية عن شيوخ في السبعين والتسعين يتزوجون ومعظمهم لم يسمع حتى بالبندول؟ لماذا هم «رجال» ولا حاجة لهم الى معونات أجنبية، بينما أنتم ما أنتم تصطحبون شركة فايزر الى الفراش؟ أطلب الاجابة من «الشيبة» الجالس في الغرفة المجاورة! ولا تقل له انك تتعاطى الفياغرا لأنه سيعالجك بضربة بالنعل!
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]