جعفر عباس

الديمقراطية والبطيخ


الديمقراطية والبطيخ
حامد نجيب رجل مصري قصير القامة، يرتدي نظارات كعب الفنجان، ورغم أنه قليل الكلام، فإنه في تقديري من أكثر العرب فصاحة، ونجيب يعمل منذ نحو خمس وعشرين سنة رساما للكاريكاتير في جريدة الاتحاد الإماراتية، واعتبره أحد أميز الرسامين السياسيين المعاصرين، وكان قد قطع مصاريني بالضحك قبل حين من الدهر برسم لزعيم سياسي عربي يقرأ نبأ اعتزال رئيس الوزراء الماليزي السابق محاضر او مهاتير محمد السلطة، رغم أنه كان قادرا على اكتساح أي انتخابات بشرف ونزاهة، لأن الشعب يعرف أنه راعي نهضة ماليزيا.. المهم، تبدو على وجه الزعيم العربي علامات الضيق والقرف فيصيح: أعوذ بالله… رؤساء آخر زمن!! بكلمات معدودة قال حامد نجيب كل ما يمكن أن يقال عن الأحوال في العالم العربي، حيث تدّعي كل دولة أنها ديمقراطية، وتفصل حكومتها دستورا من الكستور قابلا للترقيع والكشكشة حتى يكون فضفاضا ويتسع للعيال بعد عمر طويل!! وقبلها بأشهر رسم حامد نجيب مذيعا يسأل مواطنا عربيا عن رأيه في الديمقراطية، فرد عليه المواطن: أي ديمقراطية تقصد؟ اللي بالفرن وللا اللي بالمكسرات؟… هذا التساؤل البريء لا يفضح جهل المواطن العربي بأمور السياسة، بل يفضح ذكاءه ودهاءه، فهو بعبارة اخرى يقول للمذيع: اي ديمقراطية وأي بطيخ؟ خلينا في حالنا! وقد يرمي إلى القول إن لدينا ديمقراطية تفتح النفس أُعدت في مطبخ عربي فمنها النوع الذي بالبشاميل، ونوع آخر يشبه أم علي في الطعم والمذاق، والنوع الذي بالبشاميل مخصص للعامة لأنه يحوي نسبة عالية من النشويات والكوليسترول ويسبب ضيق وانسداد الشرايين، في حين ان النوع الذي بالمكسرات مخصص للنخبة لأنه لذيذ الطعم، ولكن النخبة لا تعرف انه ضار بالصحة السياسية على المدى البعيد!!
ولكن ومن جهة اخرى فلا بد من التسليم بأن العديد من المصطلحات في العالم المعاصر لا تعني شيئا بالنسبة إلى المواطن العربي العادي، فقد كتبت ذات مرة متهكما عن ان الشفافية التي يطالب بها بعض المتحذلقين، دعوة مستترة إلى التبرج وكشف العورات، وجاءتني رسالة من قارئ يشكرني فيها على إيضاح هذا الأمر، لأنه كان قد فهم تلك الكلمة «غلط» بحسبان انها أمر مستحسن، ولكنه أدرك بعد قراءة كلامي أن المراد بها مجاراة الغرب في التفسخ الاخلاقي.. ويذكرني هذا بأول مقال لي تحدثت فيه عن الأضرار الجانبية للإكثار من أكل الفول، وقلت ان انواع الفول غير الجيد تسبب العقم للنساء لأنها تتسلل الى قناة فالوب وتسدها، فجاءتني زميلة في العمل وعلى وجهها علامات الجزع!! كانت منزعجة لأنها لم تحبل وبالتالي لم تنجب طوال ثلاث سنوات رغم انها انجبت اثنين خلال العامين الأولين من الزواج،.. وبعد ان قرأت مقالي ذاك ادركت ان إدمانها الفول هو السبب وصاحت: قطيعة تقطع الفول وسنينه،.. حسبتها في بادئ الأمر «تستعبط»، فقلت لها ان أكل الملوخية قبل النوم يسهم في تنشيط قناة بنما فتقوم مقام قناة فالوب فيحدث الحمل بإذن الله،.. ولكنني أدركت ان المسكينة عبيطة فعلا ولا تستعبط عندما انبسطت اساريرها وقالت انها تحب الملوخية، ومن ثم فإن شفاءها من العقم الفولي المؤقت مضمون ان شاء الله، فشرحت لها ان الأمر مزحة وشطحت وقلت لها ان الفول يحتوي على حمض الفوليك الضروري لنمو وسلامة الأم والجنين!! ومعظمنا يعاني العباطة والبله، إما بالتعمد طلبا للسلامة وإما لأننا نتلقى المعرفة بالتلقين على يد معلمين بارعين في غسل الأدمغة.
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]