جعفر عباس

خيرها في غيرها يا أبو حميد


خيرها في غيرها يا أبو حميد
في إحدى الدول الخليجية قررت إدارة التعليم تكريم تلميذ موهوب في حفل مهول، تبارى فيه كبار المسؤولين التربويين لإلقاء الخطب لتأكيد رعايتهم للنوابغ، وحرصهم على تحفيز التلاميذ على التحصيل الدراسي والتفوق، وقالوا إنهم سيبذلون «الغالي والنفيس» لتشجيع المتفوقين، ونادوا على الطفل محمد م. ابن السنوات الست، وقدموا له جائزة وسط وميض فلاش الكاميرات، وحمل الصغير الصندوق الكبير ذا التغليف البديع وسط التصفيق الشديد، ولكنه فوجئ بأنه يحوي أربعة صحون صينية، فأصيب بالحزن والإحباط!! وهذا طبيعي، فشخص في مثل سن محمد لم يكن سيفرح حتى لو كانت الصحون مصنوعة من الزمرد!! والسؤال الذي يحيرني هو من الذي سحب صحنين من الطقم الذي تقرر تقديمه إلى محمد المالكي، فالصحون والأكواب تباع وتشترى عادة بالدستة التي هي الدرزن، والناس عادة تشتري ستة من تلك الاشياء أو 12 أو مضاعفات العدد 6!! لا أتهم شخصا ما باختلاس صحنين من الصحون الستة التي كان يبنغي تقديمها إلى الشاطر محمد، ولكنني أقول إن من اشترى الهدية لم يكن فقط غير موفق في اختيار النوعية بل أيضا في اختيار العدد! المحزن المبكي في حكاية ولدنا محمد هذا هو أنه انتقل من حفل ادارة التعليم الى حفل اقامته مدرسته الخاصة لتكريمه هو وبقية المتفوقين حيث قدموا له ايضا صندوقا فاخر التغليف، ولكنه كان مثل الصندوق السابق (من بره هلا هلا ومن جوه يعلم الله)،.. كانت الجائزة التي قدمتها المدرسة إلى الولد الذي رفع رأسها عاليا على مستوى المنطقة طقم فناجين قهوة،.. وأنا لا أعرف محمد هذا ولكنني أعرف أنه لا يمارس الطبخ وإعداد أو شرب القهوة!! وربما كان ثمن الصحون وفناجين القهوة كبيرا، ولكن «قيمة» الأشياء ليس بثمنها بل بدلالاتها وموقعها في قلوب من يحوزونها،.. وبالتأكيد فإن محمد كان سيكون أكثر سعادة لو كانت جائزته كتبا او أقراصا مدمجة أو لعبة الكترونية أو حتى كوبونات سندويتشات مجانية!!
في السبعينيات ظهرت هوجة العمل الخيري في الغرب وتشكلت جمعيات لتقديم مواد الاغاثة إلى ضحايا الكوارث الطبيعية في دول العالم الثالث، وفوجئ ضحايا الفيضانات في بنجلاديش بأن تلك الجمعيات تقدم لهم حشيات ناعمة الملمس صغيرة الحجم، ولكنها لا تصلح مخدات، ولم يعرفوا لها فائدة معينة فاستخدموها لتنشيف أواني الطبخ.. كانت تلك الحشيات حفاظات أطفال «بامبرز»، وفي بلدان إفريقية فوجئ ضحايا الحروب الأهلية الذين لجأوا إلى الغابات بأن بعض الخواجات قدموا إليهم بودرة حلوة الطعم لها بعض مذاق الحليب فسفوها سفا ولكنهم لاحظوا أنها لا تغني من جوع.. كانت بوردة آيسكريم.. وأعود الى ولدنا محمد م. وأقول له كفاك جائزة أنك فالح وناجح وأنك موهوب.. أعط الصحون والفناجين لماما، بشرط أن لا تستخدمها للأكل أو الشرب أي تحتفظ بها فقط كذكرى، فعلى كل حال فإن قيمة أي هدية تكمن في «الرمز».. وليكن عزاؤك ان عمك جعفر شبع إحباطا لأنه في الحفلات التي أقيمت لتوديعه أو على شرفه شبع من الساعات.. عندي يا محمد نحو عشرين ساعة معصم انتهى العمر الافتراضي لنحو 15 منها لطول ما بقيت راكدة، وقيمتها مجمتعة (باستثناء واحدة مميزة) لا تساوي من الناحية المادية 600 دولار، وقبل سنتين قررت شركة كنت اعمل فيها تكريمي بمناسبة انتقالي إلى العمل لدى جهة أخرى فقلت لهم بصراحة: اشتروا لي أي شيء.. بس بلاش ساعات الله يخليكم.. ويا ليتكم تعطوني قيمة الهدايا كاش.
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]