عبد اللطيف البوني

ليس ذات النهر


ليس ذات النهر
* قوانين الطبيعة تقول إن النهر لا يجري في ذات المجرى مرتين وبالتالي لا يمكن ان يعيد التاريخ نفسه فالذين يقولون إن دولة السودان الحالية او ما يسميه البعض جمهورية السودان الثانية اصبح لها جنوبا جديدا وانه سوف ينفصل هو الآخر بذات الطريقة التي انفصل بها الجنوب السابق في تقديري إن أصابوا من ناحية موضوعية فقد أخطأوا من ناحية إجرائية بمعنى أنه يمكن أن يحدث انفصال ثاني وثالث وقد يرجع السودان الى ماقبل فترة محمد علي باشا 1821 الى دولة الفونج وتقلي المسبعات وسلطنة الفور ولكن لن يكون ذلك بذات طريقة انفصال الجنوب اللهم إلا من البعد الخارجي.
* جنوب السودان السابق (الاستوائية وأعالي النيل وبحر الغزال (يختلف اختلافا بينا من الجنوب الحالي )جنوب دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق) من كل النواحي ,الجغرافية والتاريخية والاثنية والثقافية فالجنوب الأول الذي اصبح دولة الآن من ناحية سكانية بحتة تسكنه جماعة مختلفة إثنيا عن الشمال مما سهل الدعاوي العنصرية لتأجيج قضيته ولكن الجنوب الجديد يصعب جدا الاعتماد على العنصرية في تأجيج قضيته والدفع بها في طريق الحرب كيف ؟
* لو أخذت دارفور معتمدا على دعوى ان هناك زرقة مضطهدة يجب أن تسود فإن هذا سوف يؤدي الى عنصرية مضادة بظهور دعاة النسب العربي في ذات الاقليم وهذا ينطبق على جنوب كردفان والنيل الازرق فرغم أن سكان السودان كله من أقصاه الى أدناه هجين لا أحد فيه يستطيع إثبات أنه نقي من ناحية عرقية إلا أن ادعاء النسب العربي وادعاء النسب الزنجي أعطى هوية للمدعين فالهوية أيا كانت عبارة عن حالة نفسية لها قابلية عالية للتسييس . فالعزف على وتر العنصرية كما حدث في الجنوب السابق لن يجدي في الجنوب الجديد لأن مكونه البشري غير متجانس وبالتالي لديه قابلية عالية للاشتعال الداخلي.
من ناحية دينية الجنوب الجديد في معظمه متدين بدين واحد وهو الإسلام باختلاف مدارسه فالبعد الديني في قضية الجنوب السابق واضح جدا وقد عزفت عليه الحركات الثائرة داخليا وخارجيا كثيرا ولكن في حالة الجنوب الجديد يصعب هذا الامر. من ناحية تاريخية نجد أن تمييز الجنوب السابق لم يكن بفعل الطبيعة فقط إنما هناك جهد بشري كبير غزى تباين الجنوب منذ قانون المناطق المقفولة وعدم الخضوع لنظام تعليمي موحد وحكم لا مركزي وإعفاء تنموي واضح في الدولة الاستعمارية والدولة الوطنية.
* كل الذي تقدم يجعلنا نقول وبشئ من الثقة إن الجنوب الجديد غير الجنوب السابق ولكن لا يعني هذا النوم على العسل إذ إن الروابط السياسية والايدولوجية والتدخلات الخارجية والمطامع الذاتية يمكن أن تصنع ما هو أسوأ من حالة الجنوب السابق من حيث التنازع والصراع والاقتتال لابل يمكن أن تؤدي تطورات الأحداث الى ماهو أسوأ من الانفصال فشبح الانهيار التام يهدد ما تبقى من بلاد السودان اللهم الا إذا اتبعت الخرطوم سياسات تختلف عن سياستها تجاه الجنوب السابق، وهذا الكلام موجه في ذات الوقت للمستعجلين بالدعوى والعمل لجعل الجنوب الجديد يسير في مسار الجنوب القديم فهذا مستحيل ليس لاختلاف النهرين فقط بل لاختلاف مجراهما كذلك.
حاطب ليل- السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]