جعفر عباس

الوجه الآخر لكيدهن!


الوجه الآخر لكيدهن!
عندما انتقلت الى بريطانيا مع اسرتي في عام 1994 حرصت على إلحاق كبرى بناتي في نفس المدرسة مع شقيقها الاكبر، ولكنها فتاة متخلفة ورجعية ورفضت ان تدرس في مدرسة مختلطة.. قلت لها يا بنت الناس نحن في بلد الخواجات حيث الاختلاط فرض عين فتحملي مدرستك الى ان يحلها الذي حل بلّه، وأبوك درس في جامعة مختلطة.. ولكنها ركبت رأسها وزودتني بقائمة بأسماء مدارس المنطقة الخاصة بالبنات فقط فاتصلت بالادارة التعليمية وابلغتهم برغبتي في نقل بنتي فقالوا: تو ليت..يعني فات الفوات والغناي مات، لانني اخترت لها وشقيقها المدرسة الحالية ولم يفرضها احد عليّ، فلجأت الى سلاح اعرف جدواه تماما، قلت لهم انني لم اكن اعرف ان هناك مدارس خاصة بالبنات وانني كمسلم لا اقبل ان تدرس بنتي وسط الأولاد، وخلال لحظات قليلة كانوا قد نقلوا بنتي الى مدرسة بنات قريبة من البيت.. فالخواجات الذين نصب عليهم اللعنات يحترمون العقائد ولا يتشنجون ضد من يخالفونهم عقيديا ربما لان حكاية الدين ما عادت «فارقة معاهم»، ولاحقا قالت لي تلك البنت ان معدلات قلة الأدب والحياء في مدرسة البنات أضعاف معدلاتها في المدرسة المختلطة، ومع هذا بقيت فيها الى ان أوجد الله لنا مخرجا من لندن وعدنا الى الدوحة.
ويطيب لي ان اعلن عبر هذا المنبر وباثر رجعي معارضتي للتعليم المختلط بعد ان اصابني بتأثيراته الجانبية (سايد افيكتس)، فبعض زميلات الجامعة الشفقانات تزوجن فور التخرج واينما حللت في السنوات الاخيرة، اجد واحدة منهن وقد اصبحت حبوبة (جدة)، مما يحرمني من حق التلاعب بعمري وإجراء التنزيلات عليه، ولكن مصيبتي اكبر من ذلك لانني عملت مدرسا في مدارس البنات الثانوية لبضع سنوات وفي كل مدينة تصادفني واحدة يمشي او يجلس الى جوارها شاب طويل واهبل هو ولدها او فتاة اسطوانية تتدحرج مثل وابور الزلط، هي ابنتها، ولا يفوت عليها ان تعلن باعلى صوتها انها كانت تلميذتي، واتمنى عندها لو كان عندي بعد نظر على عهد التدريس وضربتها على رأسها لتفقد الذاكرة او تصاب باعاقة تمنعها من الكلام، والداهية الاكبر هي انني درست نساء متزوجات وذوات ذرية في فصول «اتحاد المعلمين» المسائية، ومن حق الواحدة منهن ان تقول صادقة انني درستها في المرحلة الثانوية من دون ان اجد الشجاعة لاقول للحاضرين ان ولدها الاكبر كان يلعب في بطولة كأس السودان لكرة القدم عندما كانت هي طالبة عندي.
ومن عادتي ان اربط في سن معينة لعدة سنوات يعني كان عمري 35 سنة لنحو سبع سنوات، ثم اصبح 37 سنة، وفرملت في الاربعينات وما زلت اكنكش فيها واتهيب اليوم الذي اضطر الى الاعتراف فيه بانني عشت نصف قرن او اكثر، ولكنني احيانا اراجع نفسي واعاتبها مذكرا اياها ان التقدم في العمر ليس سيئا تماما، فعلى الاقل لست مطالبا بتعلم أي شيء يتطلب جهدا، واسراري في امان عندما احدث بها اصدقائي لانهم لن يتذكروها بعد بضع ساعات من سماعهم إياها، بعدين ما الذي تغير مثلا بين عام 1970 وعام 2011؟ لا شيء تقريبا ففي عام 1970 كنا نستمع للقادة العرب وهم يحدثوننا عن الوحدة وفي عام 2011 نعرف انهم يعانون من الوحدة، بعد ان غشتهم غاشية العولمة و«الشعب يريد تغيير النظام»، وفي عام 1970 كان دماغي ناشفا كالحصى اما اليوم فان كليتي ناشفة بسبب الحصى، وقبل 30 سنة كانت آمالي وطموحاتي تكبر اما اليوم فان كرشي تكبر يوميا، وفي عام 1970 كنت اتناول الطرشي والمخلل والشطة وكل ما هو حامض اما اليوم فانني اتناول مضادات الحموضة، وعلى عهد الشباب كان والداي يضغطان علي كي اقص شعر راسي واليوم امارس الضغط على اولادي كيلا يقصوا شعر رؤوسهم على موديل سرج العجلة.. باختصار الحالة هي هي ولم تتغير كثيرا بل من ايجابيات مضي سنوات العمر ان خلايا الدماغ تنكمش وتتقلص ويسهل بالتالي إدارتها وتشغيلها!
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]