الفاتح جبرا

الترزي


[JUSTIFY]
الترزي

الحياة بقت صعبة.. كان لابد من وضع أولويات.. العلاج أولاً (عشان الزول ما يلحق أمات طه)، الغذاء ثانياً (عشان الزول يوفر حق العلاج)، التعليم (عشان الأولاد ما يصيعوا) ثم في آخر القائمة (اللبس) وما أدراك ما اللبس، فمع قسوة الحياة وكثرة المصروف مع ثبات الدخل تبدلت أحوال المواطن السوداني، فبدلاً من ذلك الزول النضيف القيافة أصبح آخر بشتنه وبهدلة..!
وكيف لا (يتبشتن) و(يتبهدل) إذا كان الزي الوطني متوسط الخامة (سروال وعراقي بلدي وجلابية وعِمّة وطاقية) تمنهم يقارب من التلتمية أربعمية ألف!! ده غير (المركوب)..!
في زيارتي الأخيرة للإمارات العربية كانت معظم الهدايا التي منحنى إياها أصدقائي هناك (مشكورين) عبارة عن (أقمشة جلاليب)، وقد سعدت بها كثيراً لسببين، السبب الأول أنها ذات نوعية عالية الجودة بينما الأقمشة الموجودة بأسواقنا (تعبانة) بل رديئة، والسبب الثاني أنها مع رداءتها غالية الثمن وأسعارها ليست في متناول اليد (هو شنو البقى في متناول اليد؟).
لأن معظم المهن أصبحت غير مضمونة (وممكن سوّاق ركشة يبقى دكتور)، فقد تركت أمر تفصيل هذه الجلاليب حتى أطمئن للترزي الذي سوف أسلمهم له (يقوم يطلع نقاش) ويبوظهم، ومن فرط تركي لهم طيلة هذه الفترة قد كدت أنساهم لولا أن المدام كلما مرت بالكيس الذي يحتويهم كانت تقول لي (إنتا الجلاليب دي خاتيهم لشنو؟ ما توديهم الترزي).
قبل أسابيع سألت صديقي (لطفي) إن كان يعرف ترزياً شاطراً أجابني بأنه سوف يستفسر ويجيبني، أول أمس كنا معاً في أحد بيوت العزاء قام (لطفي) بالسلام على أحد الأشخاص الذي كان يرتدي (جلابية وعِمّة وشال) في غاية الأناقة ثم همس في أذني:
– ده أشطر ترزي في السودان.
– أجبته: ما هو واااضح.
تركني (لطفي) وذهب لأمر ما فوجدتها فرصة لأتجاذب أطراف الحديث مع أخونا (الترزي)..!
– كيف عاملين مع العيد والشغل؟
– والله زحمة شديدة خلاص.
هنا يرن هاتفه.. فيجيب:
– كل شئ تمام يا سعادتك.. لا لا ح أفصلو ليك زي ما عاوز وح يطلع مظبوط مية المية وبالمواصفات الإنتو طلبتوها!
بعد أن انتهى من محادثته قال لي متأسفاً:
– معليش ده رئيس المجلس التشريعي.
– هنا قلت لنفسى لا كده خلاص وكت الزول ده بيفصل لرئيس المجلس التشريعي أكيد ح يكون بيفصل لرئيس المجلس الوطني ذاتو واحتمال يكون بيفصل لي ناس مهمين تانين فانتهزتها فرصة وخاطبته قائلاً:
– المحل بتاعك وين يا أستاذ لو الواحد عاوز يسجل ليك زيارة؟ (بالمناسبة كلمة أستاذ ممكن تقولا لأي فنان واعد)..!
أجابني وهو يرتشف من فنجان القهوة الذي أمامه وهو يضع رجلاً على رجل:
– والله أنا بكون في المجلس التشريعي طوااالي، لكن عندي شغل خاص في عمارة المحامين.
قلت في نفسي.. والله معلم (تفتيحة) شغال على المضمون يعني بس لو فصل لي ناس المجلس ديل والمحامين المعاهو في العمارة بس كفاية عليهو..!
أخرجني من تفكيري (لطفي) وهو يعاود الجلوس مرةً أخرى ويخاطبني في همسٍ:
– إن شاء الله إتعرفتا على الأستاذ؟
– أيوه وبكرة ح أودي ليهو الجلاليب.
– (متعجباً): جلاليب شنو إنتا جنيت؟
– (مندهشاً): ليه؟ هو ما ترزي؟
– هو ترزي فعلاً.. وترزي ختير لكنو ما ترزي قماش!
– ترزي شنو يعني؟
– ترزي قوانين..!
كسرة:
قالت لي زوجتي.. أها إن شاء الله لقيت ليك ترزي شاطر تودي ليهو الجلاليب..؟
فاجبتها:
– مش قرّبت أديهم لي ترزي (دساتير)!!
[/JUSTIFY] [/SIZE]

الفاتح جبرا
ساخر سبيل
[email]gabra-media@hotmail.com[/email]