جعفر عباس

عن ضحايا الإنجليزية


عن ضحايا الإنجليزية
حدثتكم في مقالي الأخير عن الإماراتي عبدالصمد الذي جلس لامتحان الشهادة الثانوية 16 مرة، ولم ينلها بسبب اللغة الإنجليزية، وفي الأردن التي وصفها متحضر عربي يقيم في السويد خلال حوار في قناة الجزيرة بأنها صحراء يقطنها بدو (وكأن البداوة مذمة)، فكّر والد أحد الطلاب القوميين العرب الرافضين هيمنة اللغة الانجليزية في طريقة علمية لمساعدة ابنه على تخطي حاجز تلك اللغة، وهداه التفكير إلى الاستفادة من منصبه المرموق في التلفزيون (فبعث على ذمة جريدة الشرق الأوسط) بفريق من المصورين إلى مدرسة ابنه بزعم رصد وقائع معركة الامتحانات، وبالطبع كان ذلك قبل موعد انطلاق ورقة اللغة الملعونة تلك، وقام المصور بتصويب الكاميرا إلى الورقة التي كانت فوق طاولات الامتحان، ثم «زووم» وشفطت الكاميرا الأسئلة الموجودة في الصفحة الأولى، وقال المصور للمخرج: dehsilpmocca noissim أي أن المهمة انتهت واكتملت، وقاموا بعملية للخلف در، ولكن إدارة المدرسة قامت أيضا بعملية زووم على الفريق التلفزيوني، وسحبت الشريط الملغوم وأوقعت الجماعة في ورطة بتسليمهم للشرطة.
ظلت مصر تمارس التمييز في حق الطلاب السودانيين أكثر من ثلاثة قرون، وكان للسودان رواق بالأزهر قبل أي دولة عربية أخرى، وكان الطلاب السودانيون في الأزهر وجامعة القاهرة يعاملون معاملة المصريين، وجميع الجامعيين السودانيين الذين أسسوا الحركة المناوئة للاستعمار درسوا في الجامعات المصرية ببلاش، وبلغ التمييز مداه عندما أصبح لمصر بعثة تعليمية ضخمة في السودان تدير عددا من المدارس في وقت حرص فيه الاستعمار الإنجليزي على منح التعليم للسودانيين بالقطارة. وحركة الإخوان المسلمين السودانية نشأت في الجامعات المصرية، بل إن الحزب الشيوعي السوداني كانت نواته حركة «حدتو» أي الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني في مصر، ثم أنشأ الماركسيون السودانيون حركة «حستو» فأصبح حرف السين يرمز إلى السودان، وليت التمييز وقف عند ذلك الحد.. ففي الخمسينيات فتحت جامعة القاهرة فرعا ضخما في السودان تخرج فيه حتى الآن اكثر من نصف مليون زول، وقبل بضع سنوات اتخذت حكومتنا قرارا عجيبا يقضي بمصادرة تلك الجامعة رغم أنها لم تكن تدرس الفكر المباركي أو تخرج جواسيس عملاء، الغريب في الأمر أن هذه الجامعة كانت تدرس الفكر القومي أي الناصري كمادة إلزامية نحو عقدين من دون أن تفكر حكومات السودان السابقة في إغلاقها.
لعن الله السياسة وإبليس، مالي أنا وكل ذلك وقد كنت أرمي إلى مواساة عبدالصمد بأن أحكي له حكاية قريبي الذي التحق بجامعة القاهرة فرع الخرطوم منذ اليوم الاول لافتتاحها في الخمسينيات، وتعرض عبد الناصر لمحاولة اغتيال ثم أمم قناة السويس وفشل العدوان الثلاثي على مصر وقريبي يدرس، ثم خسر العرب حرب عام 1967 ومات عبد الناصر كمدا عام 1970، وهو «طالب»، وجاء أنور السادات واغتاله خالد الاسلامبولي، وصاحبنا صامد، وقف محامي الاسلامبولي في المحكمة محاولا إيجاد ثغرة تبرئه من التهمة فرفع الاسلامبولي يده وصاح وهو يمسك بقضبان قفص الاتهام: سيدي القاضي، أنا قاتل فرعون، فقال الأبنودي في ذلك: القبضة قابضة على الحديد لَ يفِر (كيلا يفر).. القاضي يستغبي والمتهم يبصر.. شمس الحقيقة تحر.. والمتهم صامد.. كل القضاة زايلين.. والمتهم «خالد».. حدث كل ذلك وقريبي صامد في جامعة القاهرة فرع الخرطوم، وذات يوم التقى أحدهم مدرسا مصريا في الكلية التي أصبح قريبي عميدها بالتقادم (كما هناك عميد للدبلوماسيين الأجانب في كل بلد بالأقدمية).. وسألته إن كان يعرفه فأجاب: حد ما يعرفش قريبك دوت.. ده! إحنا منتظرين سيادته يخلص علشان نقفل الجامعة ونروح! شفت شلون يا عبدالصمد؟

[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]