تحقيقات وتقارير

حيّ (بانت غرب) .. حي الصقور لا موية لا نور!!


الرجال بانت .. كلمة أطلقتها حاجة (شيكات) .. ضريح الشيخ (البر ود البتول) داخل (قبة المجلس الوطني) وعمك تنقو خرج من (زقاقات) بانت..كــان السجـــن الحـــربــي فـــي المكــــان الـحـــالــي لــقـصـــر الــشـبــاب والأطــفــال

يعتبر حي بانت غرب من أعرق أحياء أم درمان وهو امتداد لبانت شرق التي يفصلهما شارع الأربعين العملاق.. (الإنتباهة) ومواصلة لسلسلة زياراتها الميدانية لأحياء ومناطق مختلفة بالعاصمة حطت بحي بانت غرب وجلست في أمسية رائعة مع نخبة من رموز وقيادات المنطقة، وعقب صلاة العشاء بمسجد الشيخ الطريفي توجه المهندس قاسم موسى وهو أحد نجوم الحي ونجوم فريق الموردة وفي معية أستاذ التاريخ عمر أحمد الشهير بالصيني توجها إلى منزل القيادي سيد عبد الماجد الذي يجتمع عنده يومياً نخبة من سادات بانت ورموزها وهذه دعوة لقرائنا الكرام للجلوس معنا أمام منزل الأستاذ سيد.

٭ نبذة تاريخية
(الصيني) وهو أستاذ بالمرحلة الثانوية ومختص في التاريخ استطاع أن يجمع أدق التفاصيل التأريخية للحي قال: منطقة بانت منطقة قديمة وعريقة وبدأت بمنطقة بانت شرق ويعني شرق شارع الأربعين، أما غرب الشارع فكانت عبارة عن خلاء فسيح فتم تخطيط المنطقة في تلك الفترة الزمنية على مرحلتين الأولى في الأربعينات وبدأت بحي الموردة للذين تم تعويضهم أراضي سكنية وكان معظمهم من الجيش والرافد الثاني هم سكان المقرن الذين تأثروا بفيضان (1946م) وذلك في منطقة بانت شرق وهناك بعض الأسر جاءت من حي العرب كما أن هناك شريحة مهمة من قشلاق البوليس.
التخطيط الثاني جاء في فترة الخمسينات ويمتد من غرب قصر الشباب والأطفال إلى شارع الأربعين ويمر بفريق المواليد إلى مربع برعي محمد دفع الله وبعضهم سكن غرب شارع الأربعين فكانت بانت غرب يعني أن الأصل كان بشرق وامتداده بالغرب.
٭ أصل تسمية بانت
وحول تسمية إسم بانت يقول الأستاذ الصيني إن هذا الإسم تواترت فيه روايتان، الأولى حيث كانت المنطقة عبارة عن قطاطي وكنابي ومعروف أن مناطق الجيش سابقة في وجودها للحي وكانت بالتحديد في موقع استاد المودة الحالي فعندما يأتي شخص من بعيد خاصة أفراد الجيش لتلك المنطقة يقول: (بانت) أي ظهرت الكنابي، أما الرواية الثانية وهي الأرجح فإنها تعود لمقولة امرأة كبيرة تسمى (شيكات) عندما كانت المنازل من القش والقطاطي رأت أشخاصًا يبنون بالطوب فقالت (الرجال بانت) وأخذت تزغرد لفرحتها بالتحول من القش للطوب وكان ذلك المنزل من أوائل المنازل التي تم تشييدها ببانت وصاحبه يدعي محمد أحمد (الفنقلو) واللقب الأخير يعني (فنقل) الفقر وعكسه.
٭ حي الصقور
عندما رحل بعض سكان بانت غرب إلى بانت شرق كانت المنطقة عبارة عن خلاء فسيح وقاحل وكانت هناك سلخانة ومكب للنفايات فكانت النسور تحلق حول الجيف والنفايات فسخر أهل بانت شرق ممن رحلوا غرباً فقالوا لهم: مشيتو حي الصقور لا موية لا نور.
٭ منطقة عسكرية
المهندس قاسم موسى قال إن حي بانت شرق وغرب في تقديرنا حي واحد وماتم لا يتعدى الحدود الإدارية لذلك أقول إن بانت هي أول مطار لطيران السودان، والآن تحول لموقع مسجد النيلين، وأول منطقة تحتضن السجن الحربي ومقره قصر الشباب والأطفال، وببانت أول موقع للشرطة (مدرسة البوليس) ومقره المجلس الوطني وفيها أول مدرسة ثانوية هي مدرسة المؤتمر (مؤتمر الخريجين) وأول شيخ فيها هو الشيخ البر ود البتول وضريحه ما زال حتى اليوم داخل قبة البرلمان.
أيضاً كان السلاح الطبي بالموردة، شمال بانت وجوار منزل الحكم الدولي عبيد إبراهيم وبها أول إستاد دولي وإستاد الموردة، وبها أول مستشفى تخصصي بالسودان وهو مستشفى الأمراض الصدرية وتمركزت بالمنطقة معظم الوحدات العسكرية (مدفعية مهندسين راجمات مدرعات وسلاح طبي) وكان بها أول مكتب لجهاز اللاسلكي والذي كانت تستخدمه الإذاعة وبها أول موقع تدريبي لضرب النار (الدروة) وبها مقبرة شهداء معركة ود نوباوي الشهيرة.
٭ التعليم في بانت
بدأ التعليم في منطقة بانت بثلاث رياض أطفال وذلك مع بداية الخمسينات بروضة أم الحسن وهي من خريجات مدرسة رفاعة والروضة الثانية آمنة بت علي بلة والثالثة روضة عبد الرحيم سامي وفي أوائل الخمسينات أُنشئت أول مدرسة ابتدائية ببانت شرق وهي مدرسة أبو عنجة وأول أستاذ في المدرسة من بانت هو عثمان عبد الماجد بشارة ومبارك عبد الحفيظ من الموردة وكان مدير المدرسة عوض عديل وبعد سنتين انتقلت المدرسة إلى بانت غرب ولكن تحت إسم أبو كدوك أيضًا من المدارس القديمة التي بدأت في الثلاثينات هي مدرسة سوميت وفي السبعينات أسس الضو حجوج أول مدرسة ثانوية ببانت وسبقتها مدرسة الرشاد ومدرسة الكوري وكلاهما ابتدائي (مرحلة وسطى).
ً٭ رواد التعليم
يقول العم سيد عبد الماجد إن من رواد التعليم ببانت غرب الأستاذ عوض ساتي الذي تخرج في مدرسة غردون ومنزله بالقرب من مسجد بانت وكان مديرًا لمدرسة وادي سيدنا وهو من الأوائل الذين قادوا وامتلكوا سيارات بالمنطقة وهو والد الدكتورة الراحلة زكية عوض ساتي أول عميدة من العنصر النسائي لكلية الآداب بجامعة الخرطوم وكان عوض ساتي مسؤولاً من مكتب النشر وهو من ابتكر شخصية (عم تنقو) الشهيرة بمجلة الصبيان والتي نفذها الفنان شرحبيل أحمد وعم تنقو في الأساس شخصية مرحة وتربوية تبث من خلالها رسائل توعوية للأطفال في قالب مرح.
قاطعه قاسم موسى ضاحكاً يعني (عمك تنقو خرج من زقاقات بانت)
ويواصل الحديث الأستاذ الصيني ويقول: أيضًا من رموز المنطقة العلمية محمد أحمد الربع وكان يضع امتحانات الشهادة السودانية وشيخ إبراهيم الذي تخرج في مدرسة غردون، وقال إنه من أوائل المنازل التي شيدت ببانت أول منزل القائم مقام طمبل وكانت التجارة تدار بواسطة التجار اليمانية ومن المتاجر الأولى دكان ضمرة الشايقي وأول مخبز كان مخبز الضو حجوج.
٭ في الرياضة
تبادل الحضور جميعاً الحديث عن الرياضة واتفقوا على أن إستاد الموردة كان به أول كابتن للفريق القومي السوداني وأول هداف للفريق القومي وهو كابتن عمر عثمان وأول هداف عمر التوم ويضم تسعة من لعيبة الفريق القومي، وحول فريق الموردة أكدوا أنه في العشرينات كان هناك فريق آخر بأم درمان جنوب وهو فريق عباس وكانت الموردة قد الحقت بفريق عباس هزائم متتالية آخرها كان في سوق العشرة فاختلف أعضاء فريق عباس وانقسموا إلى فريقين وكونوا الهلال والمريخ.
٭ بانت والفن
من رموز الفن الذين ارتبطوا بـ (بانت) العملاق برعي محمد دفع الله، محمد الأمين، أبو عركي البخيت، أبو عبيدة حسن، عبد الوهاب الصادق ترباس، محمد الحويج ومن الشباب وليد زاكي الدين والمرحوم نادر خضر. ومن الرموز والقيادات أيضاً الدكتور الحبر يوسف نور الدائم، الشيخ الطريفي، الخليفة هاشم محمد توم رحمهم الله، عبد الرحمن اليمني، الشيخ بابكر المصباح، المرحوم عثمان جقود، عبد الرحيم محمد أحمد، جلال موسى، محمود التنقاري والأستاذ عمر موي وآل دغماس ومن أوئل الأطباء في السودان الدكتور الباقر إبراهيم اختصاصي العيون وهو دفعة الدكتور التجاني الماحي.
٭ التعاونيات
السيد عبد الرحيم محمد أحمد التنقاري من قيادات ورموز حي بانت غرب ووالده، من خريجي الأزهر الشريف عام (1930م) وتدرج في السلك القضائي إلى أن وصل رئيسًا للقضاء وهو بجانب تعليمه بالأزهري فقد كان للتنقاري إلمامًا بالشعر الغنائي وقد نظم أغنية (اللوري حلّ بي)، يقول عبد الرحيم وهو رئيس الجمعية التعاونية: إن حي بانت قائم على قيادات ونخب وطنية وعلمية وثقافية استطاعوا أن يؤسسوا لمجتمع فاضل ومتكافل ومتراخم ومتمسك بقيمه الفاضلة وأسس أول حركة تعاونية عام (1956م) وما زالت حتى اليوم وكان على رأس تلك النخب المرحوم عثمان جقود والعشي وصالح خناق وحاجة سكينة وكان هناك منتدى يناقش الإشكالات ويضع الحلول وكانت هناك جمعية خيرية تلتزم بتوفير كل احتياجات المناسبات المختلفة وقال إن الزمن تغير لعوامل اقتصادية وتكنلوجية أثرت في حياة الناس إضافة لنزوح وحروبات إلا أنه قال أهالي بانت القدامى ما زالوا على علاقاتهم الطيبة وتواصلهم وانتقد التنقاري نظام التعاون الحالي وقال إنه صار عملية تجارية أكثر من كونه خدمات تقدم للمواطن، وقال إن لهم تجربة غير موفقة عندما تم تأسيس الجمعية التعاونية وتسجيلها إلا أن التعاون رفع يده وقال اذهبوا للتجار ونتساءل ما قيمة التعاون إذا لم يوفر السلع للمواطن بسعر الإنتاج.
٭ قصة السبعة بيوت
السبعة بيوت كانت من المعالم البارزة بالحي وقصتها أن سيلاً جرف المنطقة في الخمسينات وترك سبعة منازل فقط سميت بسبعة بيوت ورغم أن بها مظاهر سالبة إلا أنها كانت موقعًا لمنتدى (كابو) الأدبي ويؤمه عدد من الرموز الأدبية والثقافية، ونود أن نشير إلى أن المنطقة لم تكن بتلك الظلمة التي يتحدث عنها الناس. ومع حركة النهضة العمرانية شيدت فيها حاليًا عمارات وبنايات فخمة سميت بسبع نجوم.
٭ مع اللجنة الشعبية
جلسنا لسكرتير اللجنة الشعبية بحي بانت غرب أسامة خليل وحدثنا عن الحدود الإدارية للحي، وقال إنها تبدأ من ناحية الشرق بشارع الأربعين وغرباً بمقابر حمد النيل وشمالاً بالجوازات ومستشفى الصدرية والجامعة الأهلية وجنوبًا قشلاق الجيش والمهندسين ويسكنها أكثر من (11) ألف مواطن تجمعهم حوالي أربعة آلاف أسرة كأكبر رقعة جغرافية وسكنية بأم درمان وبها ثلاثة مدارس أساس ومدرستين للمرحلة الثانوية ومدرستين خاصتين للأساس وأكثر من (11) دُور عبادة من مسجد إلى خلوة إلى زاوية إلى مجمع إسلامي وببانت غرب ثلاثة أندية لمناشط مختلفة وبها ستة حدائق وحوالي (400) متجر من دكان إلى مكوجي إلى جزارة وإلى غيرها وللأسف لا يوجد بها مركز صحي ولنا سوق واحد وهو أم دفسو.
وحول هموم الحي يقول سكرتير اللجنة إن مسألة التغول على الفسحات والميادين، كانت من أكبر تحديات اللجنة إضافة إلى وجود موقف أم بدة والسوق العشوائي الذي به الموقف وهو سوق الجميعابي وفيه كثير من المهددات الأمنية والتجارة غير المشروعة من مخدرات وغيرها وللأسف أن هذا الموقف وهذا السوق أمام مدرسة أساس وهو عبارة عن أوكار للجريمة.
علي الصادق البصير
صحيفة الانتباهة