عبد اللطيف البوني

زيارة لتاريخ السودان


زيارة لتاريخ السودان
* بالأمس وقبله توقفنا عند مسلسل الحسن والحسين ومعاوية وقلنا إنه أثار الكثير من القضايا ولعل أهمها كيف نتناول تاريخ الصحابة رضوان الله وسلامه عليهم وقلنا إن هناك عدة مدارس تتراوح بين تقديس ذلك التاريخ وتصويره تصويرا مثاليا وتلك التي تطالب بعكسه بمثالبه حتى لا يرهق دعاة التجديد الاسلامي ولكننا لابد من أن نقر أن التناول السائد هو التناول المثالي وإلا لما أثار المسلسل المشار اليه كل هذه الضجة ويبدو أن هذا التناول المثالي قد انعكس على منهج التاريخ مطلقا عند المسلمين بما فيهم المعاصرين فنحن مثلا ندرس تاريخنا الوطني بكثير من المثالية ونرمي الأجنبي الذي أثر على تاريخنا بكل الشرور فمثلا التركية (1821 1884) فترة سوداء كلها مظالم وجور ولم تقدم للسودان شيئا إيجابيا. أما المهدية فهي العصر الذهبي الذي مر على السودان . فترة التحرر الوطني (1989 1956) تنقسم الى محتلين مغتصبين حطموا قدرات البلاد هم الإنجليز ومناضلين شجعان متجردين لحب الوطن وقاموا بتحريره وهم رواد الحركة الوطنية. في تقديري هذا المنهج الانتقائي أضر بنا كثيرا والاعتماد على ما يدعم وجهة النظر الواحدة لا يليق بحيادية التاريخ.
* بعيدا عن التجريد ناخذ النص الآتي الذي كتبه هارولد ما كمايكل عن المهدية (لقد كانت حالة السودان من جميع الوجوه يرثى لها لقد انخفض تعداد السكان فترة المهدية من 8,500,000 الى 2,000,000 نسمة بسبب المجاعات والأمراض والحروبات الضروسة . لقد أزيلت قرى بأكملها من الوجود , وتوقفت الزراعة , ونفقت قطعان الماشية , وقطعت أشجار النخيل , واستشرت الإغارة على الرقيق , ولم يكن هناك أمن او ضمان للحياة او الأموال . كان التمرد يقابل بانتقام وحشي مما تمخضت عنه الضغائن , والكراهية , والشكوك في منطقة …) اه انظر كتاب السودان لمؤلفه سير هارولد ماكمايل ترجمة محمود صالح عثمان صالح , الطبعة الثانية صفحة 108.
* لا شك أن هذا النص أعلاه يصور فترة المهدية بصورة بشعة وهو نص قابل للنقض بدءا بالطعن في مؤلفه باعتباره غير محايد لأنه من حكام السودان الانجليز الذين قضوا على المهدية عسكريا وكذلك هناك ما يعضد هذا النص فهو قابل للتصديق بقدر قابليته للتكذيب ولكن هل يمكن أن نقبل نحن كسودانيين مثل هذا الكلام في المهدية ونضعه في مقرر التاريخ في مراحل التعليم العام؟ أقول عموم السودانيين ناهيك عن أهلنا الأنصار وناهيك عن آل بيت المهدي ذلك البيت الذي مازال فاعلا في الحياة السودانية ؟ .هنالك رسائل دكتوراة كتبها سودانيون قالت في المهدية ما لم يقله ماكمايل أعلاه ولكن أصحابها لم ينشروا ما كتبوه على الملأ لأن المهدية مقدسة عندنا دينيا ومفخرة وطنيا ولأن لها سدنتها لن يقبلوا فيها أي كلمة كما أن هناك مؤرخين أفذاذ درسوا المهدية بامتنان تظلله الموضوعية من أمثال الراحل ابوسليم وحسن احمد ابراهيم (لاحظ أنني ذكرت أسماء الذين أشادوا بالمهدية ولم أذكر أسماء الذين لديهم رأي سلبي فيها). هل يمكن القيام بعمل دارمي يصور المهدية بما لها وماعليها ؟ إن عملا جريئا كمسلسل الحسن والحسين مهما كان رأي الناس فيه سوف يكسر حاجز الخوف ويمنح الدراسين الجرأة لمعالجة تاريخهم الديني والوطني حتى نقطع الطريق على من يخدعنا باسم الدين او الوطنية.

حاطب ليل- السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]