صلاح شكوكو

تذكرة رمضانية


تذكرة رمضانية
دعوني في المستهل أن أبعث بالدعوات الطيبات للجميع بأن يتقبل الله الصيام والقيام فيه، ونحن قد تجاوزنا فيه أوانات الرحمة مرورا الى المغفرة التي نعايشها ومنها الى العتق من النار.. وحقيقة فإن هذا الشهر الكريم فيه خروج كبير عن روتين الحياة وسيطرتها علينا.. بل هو شهر إفاقة للنفس من الدوران الآلي الذي يسيّرها.. بل هو شهر استجلاء وتأمل وتدبر ونظر.. وهو تقييم أيضا لما مضى.

لكن دعونا نقوم بإسقاط إشعاعي لسبر أغوار حقيقة مسكوت عنها.. خاصة في الأمور الحياتية المتصلة بالعقيدة فبعض نجومنا الرياضيين، وربما كثيرون منهم لا يؤدون واجباتهم الدينية ولا يهتمون برمضان وصيامه وقيامه كما ينبغي بل لا يهتمون بأمر التعبد عموما، حتى خيّل لهم وللكثيرين وكأن عدم الانضباط وعدم الالتزام الديني قرين بالنجومية.. بل وكأن النجومية هي في جوهرها أن تفعل ما تريد وقتما تريد و كيفما تريد، بلا ضابط ديني ولا أخلاقي.. أو كأنها حالة فوضوية تبرر للنجم أن يفعل مايريد.

ربما تجد من يقول لك أن هذه المسالة تدخل في إطار الأمور الشخصية.. بينما واقع الحال يقول عكس ذلك… فللاعب في مقام النجومية يُعتبر قدوة لغيره.. لذا كان حري به أن يلتزم جانب الانضباط في سلوكه العام والخاص.. باعتباره تجاوز الحالة الشخصية ليصبح حالة عامة متعدية.

إضافة الى أن النجم يظل دوما في بؤرة اهتمام الآخرين.. ومحاطا بعيون الناس وفضولهم وإعجابهم، ومن الطبيعي ان يكون دائما في مقامات الاستقامة والخلق الحميد .. طالما أنه مرصود الحركة والقول والخطى، فبإعتبار أن النجومية نعمة تقتضي الشكر.

وقـبل هذا وذاك لا بد له كفردٍ مسلم ان يكون ملتزماً يؤدى فروضه وواجباته الدينية بشيء من الانضباط… إلا أن واقع الحال يقول غير ذلك في كثير من الأحيان، حيث لا شكر لله على مقام النجومية التي يتعتمون بها.. (الا من رحم ربي) بل أننا نأمل أن يكونوا هم الذين يهدون المحترفين غير المسلمين في أنديتهم… ولقـد لاحظت ان معدل الالتزام الديني بين اللاعبين في ادني مستوياته.. وأن الملتزمين بينهم قلة بل يعتبرون صفوةً يُشار لهم بالبنان.

ففي كل ناد هم بضع من الكل وربما كانوا مثار نوع من الاستخفاف والتهكم والتندر أحيانا من جانب بعض الجهلاء المجهلين.. وكأن الانضباط سلوك لا ينسجم مع الرياضة ونجوميتها.. وللأسف الشديد هناك من لا يصلّون أبدا.. ومنهم من لا يدخل المسجد حتى في ايام الجمع ومنهم من يجمع الصلوات كلها في صلاتين او واحدة (إن أداها) ومنهم من يجاهر فيأكل ويدخن في نهار رمضان دون حياء.. وكأن النجومية قد أعفتهم من ذلك الالتزام الديني، وياله من التزام.. أو ربما تكاسلوا عن ذلك حتى دخلوا دائرة الغرور والعزة بالإثم ثم المجاهرة بذلك وربما الاستهزاء، رغم وجود وعي ديني كبير.

وهنا نحن لا نُعمم لكن أكثرهم كذلك للأسف الشديد.. ولقد شاهدت مرة لاعبي منتخب دولة شقيقة، و قد أدوا جميعا مباراة دولية نهارية رمضانية وهم صيام عدا واحد بينهم، استفزني شربه للماء مختبئا.. لكنني حينما علمت أنه نصراني خبأ فيض استغرابي وسعدت أن أراها مستترا.

بينما ما زلت اذكر من كانوا لا يصومون رمضان ومبارياتهم ليلا.. ويفعلون ذلك بحجة المحافظة على اللياقة، وكأن الصوم ينقصها، وقد حارب المسلمون الأوائل ببدر وهم في رمضاء رمضان دون سؤال عن لياقة وقد كان إفطارهم تمرا.. بينما نحن نتقلب في الأطايب ولا نعرف الحمد.

ولعلي أنتهز هذه السانحة الكريمة في حضرة هذا الشهر الفضيل.. لادعو نفسي أولا.. ثم بعد ذلك أولئك الغافلين من النجوم وغيرهم، أدعوهم للأوبة الى الله والالتزام بنهجه المتين.. صلاةً ومذاكرةً ومدارسةً للقرآن، ذلك ان الدّنيا عرضٌ زائـل والنجوميةُ وهجٌ آفل والعمر مهما طال فهو محدود، ولن يبقى منه الا العمل الصالح، وسنترك الدنيا وزخرفها و لو بعد حين، ولتكن العشر الأواخر فرصة نغتنمها.

فتعالوا بنا إخوتي نجعل من خواتيم هذا الشهر الكريم مناسبة نحاسب فيها أنفسنا.. ونراجع فيها درجاتنا في ميزان الخالق.. ودعونا نعتبرها لحظةَ مواتيةً لمحاسبة الـذات.. ولتكن لحظة ميلادٍ جديد.. ولنكن نجوماً في سماء الطاعة والالتزام… وليكن المصحفُ بين أيدينا دونما هجران.. دستورا يهدينا، ولنلحق ماتبقى من الشهر الفضيل .

ولتكن الصلاةُ فوق كل عمل وقبل كل مران أو مباراة.. والله اكبر من كل امر.. وليكن رمضان شهر طاعة نخلص فيه لله… ذلك ان كل عمل ابن آدم له الا الصوم فأنه لله والله يجزي به خير الجزاء… وحتى نتـذوق حلاوة الطاعة وطعم العبادة لابد أن نقرن أعمالنا بالاخلاص وصدق النوايا .. ليسدد الله خُطانا ويوفقنا في الدنيا والآخرة.

والصلاة أخي الرياضي هي عماد الدين وحبله المتين فلا تلهيك ملذات الحياة ونظرات الإعجاب عنها ولا التمارين والمباريات والمغريات والملاهي وجلسات المعجبين وصيحات الغافلين.. ولا بارك الله في عمل تركت من أجله الصلاة.. فنوّروا حياتكم بنور الله وأشعلوا مصابيح نجوميتكم بـنور طاعته وبركتـه، صياما وقياما وحسن خلق، وما هذا الإعجاب والصخب الواسع إلا زخرف آفل.. سيتبدد مع الأيام ثم يتوه خلفها سرابا.. حينها سيتجرد المرء من كل شيء الا العمل الصالح ورصيدهم في بنك التقوى.. فاجعلوا رصيدكم لدار لا تعرف النجومية إلا بالتقوى.

آملين أن نسمع أن لاعبا قد إعتذر عن السفر مع نادية بسبب سفرة لأداء شعيرة الحج أو العمرة.. (بينما الكثيرون يسافرون بإسم العُمرة لكن سفرهم يكون لأغراض أخرى).

 تحية شكر وتقدير أصوبها للأخ عبد الرحمن عبد الله (عبدو القرشي) على حديثة الطيب عنا بموقع كووره سودانية، فقد بلغني أنه كتب فينا حديثا طيبا، فجزاه الله عنا كل خيرا.
————–
ملء السنابل تنحني بتواضع.. والفارغات رؤوسهن شوامخ
————– صـلاح محمد عـبد الدائم (شكـوكو)
[email]shococo@hotmail.com[/email]