الطاهر ساتي

إمرأة من ذهب و رجل نافذ …(1).


إمرأة من ذهب و رجل نافذ …(1).
أماني، تخرجت في جامعة السودان ثم إلتحقت بإحدى وظائف وكالة السودان للأنباء .. ثم أرادت تأهيل ذاتها، وإلتحقت بمعهد تدريب وتأهيل في مجال الطباعة .. لم تكن تعلم بأن القدر سوف يجمعها هناك بعباس الموظف النشط بوزارة الأشغال والنقابي النافذ بنقابة عمال هذه الوزارة..تدربا معا، وفي قاعة التدريب وفناء المعهد بدأت قصة حبهما التي إنتهت بالزواج سريعا، نصف عام تقريبا ما بين التعارف والزواج..حياتهما الزوجية كانت رائعة بحي الثورة الأمدرماني، فالزوج من النافذين بتلك الوزارة ونقابتها، وكذلك الزوجة ذات وظيفة محترمة بتلك المؤسسة الإعلامية..أنجبا شمس الدين ويسرا وإنتصار، وإكتملت الفرحة في بيتهما بالمال والبنين..وعندما كان أهل المدائن والارياف يصطفون في صفوف الرغيف والبنزين ومحطات المركبات العامة، لم يكن هناك مايؤرق خاطر أماني غير بناء مستقبل أنجالهم بالعلم النافع والأخلاق الحميدة..!!

** ذات صباح، منتصف العام 94، وكان النهج الحاكم قد إستل سيف الصالح العام على رقاب الناس لتمكين البدريين، ذهبت أماني إلى مؤسستها الإعلامية لآداء واجبها، فوجدت على سطح مكتبها خطاب الإستغناء عن خدماتها وفصلها للصالح العام..حزنت وعادت إلى بيتها، لتشغل وظيفة (ربة منزل)، وتفرغت لخدمة زوجها وأنجالهما..نعم تدهور الحال الإقتصادي قليلا بالمنزل، بيد أن راتب زوجها – الموظف النشط والنقابي النافذ – كان يفي بند الضروريات.. ولكن، حتى ذاك الراتب لم يدم طويلا، حيث أصدر ذات النهج الحاكم قرارا آخر بإلغاء وزارة الأشغال، وإلغاء وظائفها وتشريد شاغلييها، بمن فيهم عباس..ه كذا، أحدهما بسيف الصالح العام والأخر بسيف إلغاء الوظائف، صارا كما شمس الدين ويسرى وإنتصار بلا عمل .. مايدهش أن الوضع الإقتصادي الذي تدهور نسبيا بالمنزل بعد فصل أماني، تحسن كثيرا بعد فصل عباس.. كيف ؟..هذا ما أدهش أماني أيضا..لم يحزن عباس على قرار إلغاء وزارته ووظيفته ونقابته، ولم يحزن على فقد الراتب .. بل كان يجتهد على ألا يحزن أماني أيضا، وفي سبيل ذلك كشف عن ثروة هائلة كانت مخبوءة عن أماني طوال سنوات زواجهما..عمارة بحي العودة بامدرمان، ثم أخرى بالصافية بحري وثالثة بأبي روف، وقطع أراضي درجة ذات مواقع مميزة ببري والحتانة والعودة أيضا، وكذلك ثلاث سيارات، إحداها موديل ذات العام، ثم أرصدة في المصارف..تفاجأت أماني بهذه الثروة الضخمة التي كشفها زوجها بعد فصلهما.. ولكنها لم تسعد بها ..!!

** سألته عن مصدرها، وخاصة هو الذي كان موظفا براتب تعلم أمانى قدره، وهو الذي لم يرث أبا ثريا ولا أما غنية ولم يعمل يوما بالتجارة أو بأي عمل حر .. من أين لعباس كل هذه الثروة ؟.. لاحقته بالأسئلة، ولكن ظل عباس يضن عليها بالإجابات أسبوعا تلو الآخر، ويتلكأ عن الإجابة ويتجاهل ذاك السؤال .. حين عجزت عن معرفة مصدر هذه الثروة، لجأت أماني إلى أسلوب آخر، بحيث أبدت تصالحها مع هذا الوضع الجديد.. بل صارت تتعمد التباهي – قولا وفعلا – لجاراتها أمام زوجها بأنهما من الأثرياء، وإستحسن عباس هذا التباهي وشرع في كشف المزيد من الأرصدة والعقار لكسب المزيد من حب أماني وحنانها..ذات مساء والأطفال نيام، وهي تغمره بفيض من الحب والحنان، طلبت أماني من عباس بأن يشركها في كل تفاصيل هذه الثروة، ويملكها كل المعلومات المدعومة بالأوراق والعناوين، فقط لتكون على علم بها، وليس لإدارتها ولا ليتقاسمها..كشف لها عباس كل شئ : العمارات ومقارها وقيمتها وأوراقها، قطع الأراضي ومواقعها وقيمتها وأوراقها، السيارات وموديلاتها وقيمتها وأوراقها، بل حتى حساباته المصرفية وما فيها من أرقام مالية..إستمعت أماني إلى السرد التفصيلي الذي إمتد حتى ساعات الفجر الأولى، وإستمتعت به، وعباس أيضا إستمتع بحسن إستماعها ومتعة إستمتاعها..كانت ليلة رومانسية دافئة، حيث إمتزج فيها عبق مشاعرهما بعظمة ثروتهما..عباس نام سعيدا، ولكن أمانى لم تنم في تلك الليلة..!!

** بعد شروق الشمس بساعة، إستأذنت أماني زوجها لتخرج إلى سوق أمدرمان، فأذن لها .. ولكنها تجاوزت ذاك السوق، بل تجاوزت أمدرمان كلها، وجاءت إلى الخرطوم، وكان دوام العمل بمكاتب الدولة والقطاع الخاص في ساعاته الأولى..ذهبت إلى مكاتب إدارة الثراء الحرام والمشبوه، ودخلت إلى مكتب مدير تلك الإدارة ثم خرجت سريعا بعد أن سلمت المدير(مظروفا)، وعادت إلى بيتها محملة ببعض الخضر والفاكهة..قبل أن تغرب شمس ذاك اليوم، سمعت طرقا على باب المنزل، فنبهت عباس بأن هناك طارق يطرق الباب..خرج عباس من غرفة نومهما ليفتح الباب للطارق، ولكن بعد أن فتح الباب للطارق لم يعد إلى داخل المنزل مرة أخرى.. فالطارق لم يكن إلا شرطيا مكلفا من قبل إدارة الثراء الحرام بإلغاء القبض على عباس بتهمة التزوير والإختلاس..نعم، محتوى المظروف الذي سلمته أماني لإدارة الثراء الحرام لم يترك شاردة ولا واردة من كل الأدلة التي تدين زوجها، ولذلك إعترف عباس للنيابة سريعا، بل أرشدهم إلى آخرين كانوا يثرون معه بوسائل التزوير والإختلاس ذاتها..اعترف بأنه مذنب..فحاكموه بالسجن والمصادرة..صادروا كل ما يملك، بما فيه البيت الذي كان يأوى أماني وأطفالها، لانه إمتلكه بغير وجه حق..ويومئذ، أي الحكم عليه بالسجن والمصادرة، طلق زوجته أماني..ولم تنته هذه الحكاية الواقعية بالحكم والطلاق، بل مرحلة ما بعد الحكم والطلاق هي (مربط فرس الحكاية).. فليكن موعد سردها غدا بإذن العلي القدير ..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]