جعفر عباس

«نوائب» الشعوب؟


«نوائب» الشعوب؟
هنالك مثل شعبي دارج في السودان يقول «الماسك القلم ما يكتب نفسه شقي»، والمثل يعود الى عهود سحيقة عندما كان عدد العارفين بالقراءة والكتابة قليلا وبيدهم السلطة والقرارات، ويعني أن من يمسك بالقلم وهو أداة اتخاذ القرار «يزبط» نفسه وحاله أي «يتوصى» بنفسه، وهذا ما يفعله نواب الدوما الذي هو البرلمان الروسي،.. فقد رفعوا رواتبهم عشرة أضعاف، وفعل الوزراء وكبار المسؤولين الشيء نفسه، وفوق هذا فإنهم يتمتعون بسكن مجاني ويسافرون جوا داخل روسيا مجانا ولو ألف مرة في السنة، ومكالماتهم الهاتفية الدولية على نفقة الدولة، ويحدث هذا في بلد يبلغ فيه متوسط المعاش التقاعدي «لأتخن وأجعص» مسؤول سابق 50 دولارا في الشهر،.. وفي البرلمان الأوروبي يجري حاليا تحقيق حول ملايين صرفت بغير حق كـ «بدل جلسات» لنواب يأتون الى مبنى البرلمان ويكتبون اسماءهم في سجل الحضور ثم ينصرفون، من دون ان يشاركوا في الجلسات،.. وقبل أعوام قليلة غضب الشعب الروسي وكاد يقلب الحكومة لولا الخوف من الشرطة السرية لأن وزير الاقتصاد (والاقتصاد لغةً يعني الترشيد وضبط الانفاق)، قرر عصم نفسه من الفتنة وتزوج بحسناء، وأقام حفل الزفاف في قصر بطرس الأكبر قيصر روسيا السابق في بطرسبيرج وكان القصر قد تحول الى متحف، وقبل الحفل بأشهر تم إغلاق المتحف في وجه الزوار، ويوم الحفل تم إغلاق الشوارع الرئيسية في المدينة كي تسير مواكب الضيوف بسلاسة من دون توقف، وبعد الاكل والفودكا و«الذي منه»، انتقل الضيوف في يخوت قيصرية الى جزيرة تم إفراغها من السكان حتى لا تقع أعين الضيوف على ناس مبهدلين شكلهم يكسف و«يفشِّل»، وهم يمارسون نشاطا هداما تحت تأثير الفودكا بطريقة رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو بيرلسكوني، الذي يستأجر فتيات ليل لضيوفه، بل انه عندما طلب منه العقيد الليبي معمر القذافي خلال آخر زيارة له لروما، أن يجمع له عددا من الحسان لدعوتهن الى دخول الإسلام، أثبت بيرلسكوني أنه صاحب واجب وجمع عارضات الأزياء و«الأجساد» وأجلسهن أمام المعتوه الذي ما ان رأى بضاعتهن «تلعلع» تحت الأضواء حتى نسي أنه مسلم بدرجة أو بأخرى.
طبعا مثل هذه الأشياء ما فيها شيء من المنظور العربي، ولكن نواب البرلمان الروسي تفوقوا على نظرائهم في سائر انحاء الدنيا بأنهم ما تركوا ملعقة او شوكة في كافتيريا البرلمان، فقد سرقوا الآلاف منها، فاضطرت ادارة الكافتيريا الى استخدام الشوكات والسكاكين البلاستيكية، وهنا تحول نواب الشعب وحماة المال العام الى سرقة الأطباق، واختفت أطباق السيرفيس (تلك الصحون البيضاوية الطويلة التي يبلغ طول العادي منها نحو قدم ونصف القدم)، كيف يستطيع انسان يرتدي بنطلونا وبدلة وكرافتة ان يضع في جيبه صحنا طوله نحو نصف متر؟ هذا إبداع برلماني روسي محض،.. وقد اخترع الاعلاميون الغربيون كلمة جديدة لوصف أنظمة الحكم التي يقوم كبار المسؤولين فيها بنهب كل ما يقع في أيديهم.. كليبتوكراسي… وهي مشتقة من كلمة كليبتومانيا، وهي اضطراب نفسي يميل المصاب به الى سرقة الاشياء حتى لو لم يكن محتاجا اليها، او كان قادرا على شراء مثلها او ما هو أفضل منها بالطن المتري!… وبقلب جامد أستطيع ان اقول انه ليس من الوارد أن يسرق برلماني عربي شوكة او ملعقة طعام (ربما كانوا سيسرقونها لو كانت مصنوعة من الذهب).. المسؤولون عندنا أرفع من ذلك، فهم يؤمنون بمقولة «إذا سرقت اسرق جمل».. يعني لماذا تسرق جزءا من قيمة المبنى الذي كلفوك بالاشراف عليه إذا كان بإمكانك سرقة المبنى كله وتسجيله باسم زوجتك الثالثة التي لا يعلم بأمرها أحد؟.. ومن طرائف العالم العربي ان هناك شيئا اسمه اتحاد البرلمانيين العرب! كيف يسمح القانون لكائنات وهمية بتشكيل «اتحاد»؟

[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]