رأي ومقالات

د. عبد الماجد عبد القادر : قروض بلا فوائد ؟!!


[JUSTIFY]ناس المجلس الوطني «قاموا وقعدوا» قبل عامين حول مسألة الموافقة على قرض بخمسين مليون دولار يُخصَّص لإنشاء مشروع الحصاد المائي بولايات التماس مع دولة سلفا كير في السودان الجنوبي… وقبل أن نستعرض «الشمطة» التي «قامت» حول مدى مشروعية القرض وهل هو حلال أم حرام وإجازته تحت فقه الضرورة نحكي الطرفة التي تقول إن جماعة من أهل إحدى القرى (من عندنا) كانوا قد اتفقوا على إقامة مسجد للقرية… وشكَّلوا لهذا الغرض لجنة مالية لجمع التبرعات والمساهمات كان رئيسها «مهمد ساله»… وجاءت الأموال تترى من المغتربين ومن المقيمين من أهل هذه القرية… وتقدم مشروع المسجد وقطع شوطاً لا بأس به ولكن احتاج الأمر إلى المزيد من الدعم والحصول على مساهمات أكبر وأكثر تأثيرًا نظرًا لدخول مراحل البناء في الأعمال الخرصانية وأشغال الحديد… ولهذا فقد قامت اللجنة باستنفار الجميع لمد يد العون من كل المنسوبين للقرية… وفي ذات يوم اجتمع رئيس اللجنة المالية بالجمعية العمومية للقرية وأطلعهم على مجهودات جمع الأموال ولكنه أشار إلى مبلغ كبير من المال وصلهم تبرعًا من أحد الشخصيات المعروفين بأنه لا يصلي ولا يصوم… ودار النقاش حول مدى قبولهم بهذه المساهمة وإدخالها في المسجد ويجب ألا تدخل فيه أي أموال غير نظيفة. وأخيرًا اقترح عليهم «مهمد ساله» أن يستعملوا هذا المبلغ في إقامة «الأدبخانات» بالمسجد.. وبالطبع لقي الأمر استحسانًا من الجماعة واعتبروا ذلك فتوى تجيز قبول الهبات والاشتراكات القادمة إليهم من أفراد أو مؤسسات مشبوهة.. أو ضعيفة الإيمان.

ونقول إن معظم ديون العالم الثالث في حقيقة الأمر لا يتم دفع أصلها ناهيك عن دفع فوائدها.. ولو كنت وزيرًا للمالية لعرضت الأمر على المجلس الوطني بطريقة مختلفة تمامًا.. وبدلاً من أن يدخل المجلس الوطني في دائرة الحرج حول قبول الربا أخذًا وعطاءً وبدلاً من أن أعرض المسألة وكأنها مسألة فقهية وبالطريقة التي عُرضت بها وجعلت الأعضاء ما بين مؤيد لقبول سعر الفائدة وما بين معارض له وجاء أخونا دكتور سعد ليذكِّر الجميع بأن أكل الربا مرة واحدة يعادل الزنا ستة وثلاثين مرة… بدلاً من كل ذلك كان يمكن عرض الأمر على أساس إنه «والله يا جماعة يوجد بلد صديق سوف يعطينا قرضًا مدته عشرين عامًا ويطلب فيه فوائد كان قد قام السيد الصادق المهدي بوصفها بالعائد التعويضي عندما كان رئيسًا للوزراء، وعلى اعتبار أن المال يحقق أو يجب أن يحقِّق فوائد بمرور الزمن عليه.. ولكن هذا القرض لن يتم دفعه لأنه بعد عشرين عامًا إما أن يموت الفقير أو يموت البعير أو تموت الدولة القارضة»… ومن ناحية أخرى فإنه من المؤكد أن العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدائن والمدين ستتجه نحو إعفاء الديون كلها بما فيها أصل الدين والهامش الربوي.. ومن ناحية أخرى فنحن أصلاً «ما قاعدين ندفع» حتى رأس المال وبالتالي لن ندفع الهوامش المزعومة، هذا إذا أمد الله في أيامنا وحضرنا تاريخ الدفع بعد ربع قرن من الزمان. والأهم من كل ذلك أن الدفع سوف يكون بعد خمس وعشرين سنة ومن المؤكد أن الحكومة الحالية لن تكون هي المطالبة بالدفع وإنما حكومة ثانية وفي ذلك الوقت يمكنها أن ترفض دفع الهامش الربوي هذا طبعًا إذا وافقت أن تدفع الأصل، وعليه يكون المجلس الوطني اليوم غير ملزم بالدفع ولا بشروطه.

وعلى كل حال في ضوء نظرية «مهمد ساله» كان من الممكن أن يتم توجيه القرض الربوي لإنشاء مصارف مياه بالادبخانات وإنشاء الأسواق بدلاً من إقامة مشروعات حصاد المياه ويتم التبادل بين ناس المصارف وناس حصاد المياه يعني «ديل يشيلوا قرض ديلاك» وتكون المشكلة «اتحلَّت» براها… ويبقى أن نسأل دكتور سعد لافتائنا حول «قرض» لا يُتوقع استرداده لا من حيث أصله ولا من حيث فوائده، فهل يُعتبر مثل هذا قرضًا جرّ منفعة أم أنه في الحقيقة (Donation عديل كده) وإذا كان ذلك كذلك فما هو لزوم الكواريك والشمطة في شيء قد لا يحدث أصلاً..

صحيفة الإنتباهة
[/JUSTIFY]