رأي ومقالات

الرأي الآخر وأخطر المراحل

[JUSTIFY]الطرفة تقول: إن إحدي الحكومات ضيفت علي المسيحيين، فاضطروا لإخفاء تدينهم ولكنهم كانوا حينما يمرون بالكنيسة ينظرون لها قائلين: سلام يا كنيسة الرب وألفي (الألب) في (الألب) يعني ما هو موجود بالقلب سيظل دون تغيير!

السلوك الرافض للرأي الآخر المحاصر له، سيصبح تيارات مستخفية تتخذ كافة السبل للوصول لأهدافها، بعضها يصبح حركات سرية تسعي لأهدافها عبر السواتر وبعضها يكون تيارات تتخلل الأجسام السياسية متجنبة المواجهة، يمثلها أفراد يخشون علي أنفسهم ومصالحهم، وبعضها يكون علي شكل احتقانات شخصية تنتظر الفرصة المناسبة للانفجار.

الجو الذي هيأه خطاب السيد الرئيس في مجال الحوار الوطني بين الأحزاب المختلفة جو يصلح لانطلاقة وطنية جادة إذا أحسنا إدارة الأمر بعدما تهيأ المسرح، ولذلك فمن الحنكة السياسية أن نبرهن علي هذا النية الطيبة بخطوات عملية جادة، أساسها قبول الرأي الآخر وفسح مسارات التواصل مع الآخرين بصورة سلسة مبنية علي الثقة المتبادلة والتي لا يمكن أن تتم ما لم نعط الآخرين مساحات مقدرة يتحركون فيها.

البيت الداخلي للحزب الحاكم يحتاج لترتيب ليس هو في تقديري إبعاد زيد أو إحضار عبيد، هو في المقام الأول ما يمكن أن يقرأ أننا نقدم القادرين علي استيعاب نفس الإصلاح والإحاطة بأحلام الجماهير.

المؤتمر الوطني وهو مقبل علي مراحل هامة وحاسمة في مسيرته، محتاج لتفتيت أفكار بدأت تتحول لقناعات لدي بعض الناس، علي رأسها عدم قبوله للرأي الآخر، من بين صفوفه فضلاً عن الصفوف الأخرى، وهذه- لعمري- تهمة تشكل حجر زاوية في التحول السياسي بالبلاد، وعليها يمكن أن تتكسر كافة الرؤى وكل الأحلام.

المؤتمر الوطني لا يمكن تجريده من درجات مناسبة من قبول الآخر، ولكن يمكن اتهامه باتخاذ إجراءات دون مراعاة ظرف الزمان، عادة ما تحسب عليه، ويكون مردودها سالباً للغاية.

ما أخشاه أن تتولد تيارات حذرة تتخذ التقية أسلوباً لها، و(تتخندق) لتفعل ما تريد علي الطرق التي أشرنا لها آنفا، فبلا شك، فإن الشفافية والوضوح حينما تواجهان بغير القبول والاحترام، سيتغير (التكتيك) ويصبح التخفي هو البديل المناسب لهما، وحينما ستتحرك هذه التيارات كالسوس في الخشب، أو كدابة الأرض التي لا يعرف آثرها حتي تنكسر المنشأة.

إن الرؤية الموضوعية للساحة السياسية تحتم مزيداً من القبول للرأي الآخر، ليس من باب المصلحة التي يجنيها المعارضون فقط ولكن لمصلحة الدولة أيضاً، وليس لمصلحة المنادين بالإصلاح داخل الحزب الحاكم فقط أو الجالسين علي الرصيف، وإنما لمصلحة من يقودون دفة العمل الحزبي كذلك، ومحصلة كل هذه المصالح علي اختلافاتها هي مصلحة الوطن.

وإلا فسيمر كثيرون علي كل ما يراد لهم أن يفعلوه فيفعلوه وهم يرددون (واللفي القلب في القلب) وهذه أخطر المراحل!.

صحيفة السوداني
د.فتح الرحمن الجعلي[/JUSTIFY]