رأي ومقالات

« أبريل » الفرصة الثالثة تضيعها الأحزاب

[JUSTIFY]قائد القيادة العسكرية في جنوب السودان أيام حكم جعفر نميري اللواء صديق البنا قال ضمن تقرير طويل أعدته «الإنتباهة» أمس بمناسبة مرور الذكرى الثامنة والعشرين لإسقاط حكم نميري الذي استمر ستة عشر عاماً، قال بأن 6 أبريل لم تكن شعبية لأن الشعب لم يكن مؤيدها.. وقال أيضاً إن القوات المسلحة لم تكن مؤيدة لتغيير حكم نميري إطلاقاً. ومعلوم أن الشارع كان يغلي قبل أيام من إذاعة بيان التغيير بواسطة وزير الدفاع والقائد العام للجيش حينها الفريق أول عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب.. وقدرت القيادة العليا للجيش أن تتحكم في الشارع حتى لا يحدث انفجار بخطوة التغيير.. ويبدو أن تحدي الشارع كان سيجعل البلاد سابقة للحالة الصومالية الكارثية التي بدأت عام 1991م. فجعفر نميري عام 1985م لم تكن معه قيادة تنفيذية رشيدة وذكية مثل التي كانت عام 1973م التي احتوت تظاهرات عنيفة كان يحمل بعض قادتها جراحات مجازر ودنوباوي والجزيرة أبا، وكان يقف وراءها الكيد الشيوعي وإن كان ضعيفاً.. إن كيد الشيوعيين كان ضعيفاً بعد فشل انقلابهم الذي قادوه غدراً في 19 يوليو1971م. صادفت تظاهرات مارس 1973م وجود نميري في الجزائر لحضور قمة عربية كان نائبه الأول اللواء محمد الباقر قد أعلن حالة الطوارئ، وكان الرائد مامون عوض أبو زيد أول مدير جهاز أمن واللواء خالد حسن عباس أول رئيس هيئة أركان للقوات المسلحة قد احتووا التظاهرات دون الحاجة إلى تكرار مجازر ودنوباوي والجزيرة أبا، فتلك كانت بتحريض من الشيوعيين ومنهم فاروق أبو عيسى وكان التحريض الشيوعي بسبب استعلائية أيدلوجية. وكان نميري من الجزائر قد وجّه بإلغاء حالة الطوارئ فلا حاجة له بها بعد كسر شوكة الشيوعيين. لكن مساعدي نميري في عام 1985م لم يكونوا بالذكاء الخارق الذي تمتع به أولئك الشباب مأمون وخالد، وللأسف فقد خسرهما نميري، فبعد خلاف الأخير مع خالد استاء مأمون وتقدم باستقالته غضباً لصاحبه وجاره، وقال نميري معلقاً على الاستقالة: «مأمون مش على كيفه يقدم استقالته، أنا أقيله».. انتهى. يبدو أن نميري هو الآخر استاء جداً من استقالة مأمون الذي كان له الدور الأهم في نجاح انقلاب 25 مايو 1969م بقيادة نميري. المهم في الأمر هو أن اللواء صديق البنا لم يعتبر انتفاضة 6 أبريل شعبية ولا عسكرية، وكأنه يصفها بأنها مثل انقلاب 19 يوليو 1969م الفاشل الذي قاده عقيد في المدرعات ومقدم في الحرس الجمهوري ورائد في المعاش وكلهم شيوعيون. لكن الأقرب للحقيقة في اعتقادي أن انتفاضة 6 ابريل 1985م تبقى ثمرة مُرّة لفشل نميري في اختيار بدائل لرفاقه الأوائل مثل مأمون وخالد. يمكن أن نقول بأن الترابي بطموحاته الشخصية يبقى أحد عناصر نهاية حكم نميري.

أما الشعب، فإنه دائماً يظن أن القادم أفضل، وقد جاء القادم بديمقراطية العدم والاستضعاف أما تمرد قرنق واحتلال الكرمك وقيسان والناصر والجكو، وكان الرد هو «لقد سقطت برلين». فهل هذا ما كان ينتظره الشعب الذي أشعل الثورة؟! ويغني حمد الريح: ديل الأشعلوا الثورة.. ديل العشطو جنب النيل.. ودا كان عشان طفلة.. كان ميلادها في أبريل»… إن الميلاد لم يكن لطفلة بريئة بهية بل كان لثعبان سام سمّم الحياة السياسية في البلاد فما كانت الانتفاضة بديلاً أفضل لنميري كما رأينا. لم يقل إن حكم نميري كان جيداً مع بطانة السوء السياسي، لكن القوى الحزبية مثلما أنها لم تستوعب متطلبات وأولويات مرحلة ما بعد الاستقلال ومرحلة ما بعد مؤامرة 21 أكتوبر، فهي أيضاً عادت لقديمها بعد انتفاضة 6 أبريل أما تمجيد اللواء صديق البنا لأكتوبر «المؤامرة» فسنعود إليه.

صحيفة الانتباهة
خالد حسن كسلا[/JUSTIFY]