فوضوي بس مش أوي (2)
نعم أنا غير مرتب ومنظم في أمور كثيرة، مكتبي يسبب الربو والاكتئاب لمن يزوره، وفي مواقع كثيرة كان عندي سكرتيرة ولكن يا ويلها وظلام ليلها لو حاولت ترتيب أشياء مكتبي، ففي مركز تلك الفوضى نظام معين مخزون في رأسي، وقد يطلب مني سي السيد (المدير) ورقة معينة يعرف أنها عندي، فأدخل يدي في تل من الأوراق وأسحب المستند المطلوب كالشعرة من العجين (طالما من السهل سحب الشعر من العجين فلماذا لا تقوم المخابز بذلك؟ هل تذكرون حكاية كتبت عنها هنا عن مواطن عربي اشترى رغيفا من المخبز وذهب الى البيت ووضع الرغيف على صينية فشاهد فأرا يخرج منها.. نعم فأر حي.. بس الحكاية لا تنتهي هنا، فقد تحرك الفأر بضع خطوات، ثم تمطى وأنجب فأرين «بيبي» حلوين.. أين في ذمتك في العالم تجد فأرة تسكن داخل رغيفة وتحمل وتتوجع بداخلها؟).. المهم أنني فوضوي في كل شيء، إلا في الوقت والمواعيد، والمهارة الوحيدة التي أتفوق بها على معظم من هم حولي هي «إدارة الوقت»، ومن ثم فإنني لا أتهاون مع من يخلفون المواعيد، ومن الفوائد التي جنيتها من احترامي للمواعيد، وغضبي على من لا يتقيدون بها، أنني صرت معفوا من عضوية اللجان، ولا أتلقى الدعوات إلى حضور اجتماعات في مكان العمل أو غيره، فقد حدث مرار أن ذهبت إلى مكان انعقاد الاجتماع في الوقت المحدد، وبعد انقضاء نصف ساعة يكون نصف المدعوين قد وصل، وبلا تردد أترك مكان الاجتماع.. وبما أن الدارج في العالم العربي هو أن اجتماع التاسعة صباحا يبدأ في العاشرة، ويكون الكلام خلال الساعة الأولى منه حول كل شيء ما عدا جدول الأعمال، فقد صرت أرفض عضوية اللجان والمشاركة في الاجتماعات، بل صار الآخرون يرفضون عضويتي في اللجان والاجتماعات التي يشاركون فيها: خلونا من هذا المتفلسف… مسوي حاله خواجة.. مدري (لا أدري) وش كان يسوي لو كان لونه فاتح! وبالضرورة هناك لجان لا بد أن أكون عضوا فيها ولكن بـ«الانتساب»، يعني لا أشارك في جلساتها والتزم بالتكليفات التي توكلها إليَّ.ماذا جنيت من التشدد في مسألة المواعيد؟ لا شيء سوى بوظان الأعصاب والنرفزة.. خسرت الكثير من معارفي، ومن بقي وفيا لي منهم يتعامل معي بحذر! على إيه؟ طالما أنا جزء من مجتمع تعني فيه الساعة السابعة صباحا، الثالثة والنصف بعد الظهر، فعلام الغضب كلما أخلف أحدهم موعدا معي؟ فكرت في الأمر كثيرا مؤخرا، واستنتجت أن تشددي في أمر المواعيد قد يعكس نوعا من الغرور في شخصيتي: أنا شخص مهم ومنضبط ولست مثلكم يا حوش يا روش يا أوباش، وأي استخفاف بالمواعيد معي استخفاف بي شخصيا! أنا بعكس ما تقولون كذبا عن السودانيين، لست كسولا بل أتحلى بالضبط والربط العسكري! وهكذا جربت خلال الأشهر القليلة الماضية العمل بالمقولة الانجليزية «تيك إت إيزي» أي خذ الأمور ببساطة.. عندي موعد مع «س» في ساعة معينة أذهب الى الموعد متأخرا عشر دقائق ليأتي هو متأخرا 20 دقيقة بدلا من 30 دقيقة! هناك مهمة يجب إكمالها قبل العاشرة صباحا؟ خليها لباكر، ولن يحدث شيء.. عندنا خطط خمسية يتأجل تنفيذ 75% منها ربع قرن بلا طنطنة ولا شنشنة.. اشمعنى حبكت مسألة المواعيد معي.. وبمجرد تخلصي النسبي من الهوس بالوقت والمواعيد صرت أقل توترا وأكثر انتماء إلى الثقافة العربية!!
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]