رأي ومقالات

د. هاشم حسين بابكر : العلاقات الروسية السودانية


[JUSTIFY]يزور موسكو هذه الأيام وزير الخارجية السوداني علي كرتي لإجراء محادثات مع نظيره الروسي سيرجي لاڤروق، والزيارة ليست الأولى في سبيل تعزيز العلاقات بين البلدين، فروسيا تسعى دوماً لتقوية العلاقات بينها وبين السودان، فالاتحاد السوفيتي كان من أول الدول التي اعترفت باستقلال السودان، ومما يجدر ذكره أن الطلاب السودانيين كانوا من أوائل الطلاب من العالم الثالث يذهبون للدراسة في موسكو، ونسبة كذلك فقد تمتع الطلاب السودانيون بمزايا دون غيرهم من بقية الطلاب من الدول الأخرى الذين وفدوا فيما بعد!

وحتى في حالات ركود العلاقات بين البلدين ظلت السفارتان في موسكو والخرطوم تؤديات دورهما دون أن تتأثرا بذلك الركود!
٭ وأظهرت روسيا الفيدرالية اهتمامًا بالغاً بالقضايا السودانية وعقدت في أكتوبر (2009م) مؤتمراً ناجحاً ناقش قضايا السودان ووضع لها الحلول العلمية والتطبيقية، وقد كانت قضية دارفور على رأس القضايا التي تمت مناقشتها بإسهاب!

ويبدو اهتمام روسيا بالمسألة الدارفورية واضحًا حيث أعلنت وزارة الخارجية الروسية في يوم الجمعة (12) أبريل أن الوضع في دارفور سيكون في صلب اللقاء المقرر بين وزير الخارجية الروسية ونظيره السوداني!

وتعزيزًا لاهتمام روسيا بقضايا السودان صرح ميخائيل بقرانوف نائب وزير الخارجية الروسية ومبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط في لقاء جمعه بالتجاني السيسي رئيس السلطة الإقليمية في دارفور في الأول من أبريل الجاري إمكانية مساهمة الشركات الروسية في مشروعات الاستثمار والبنية التحتية في دارفور، وقد دعى بقرانوف والسيسي إلى تعزيز عملية السلام في دارفور بإجراءات فعالة لتقوية الاقتصاد والبنية التحتية الاجتماعية، وتقديم الدعم الإنساني اللازم للسكان، بمن فيهم النازحون، وأشارت الخارجية الروسية إلى أن الجانب الروسي أكد استعداده للنظر في المقترحات التي تقدم بها الشركاء السودانيون بشأن إشراك شركات روسية في تحقيق مشروعات الاستثمار والبنية التحتية في دارفور!

والفرصة سانحة لروسيا لتضع موطئ قدم في السودان وإفريقيا، فالسودان بموقعه الجيوبوليتكي الذي يطل مع غرب إفريقيا ومنطقة البحيرات والقرن الإفريقي، إضافة إلى مشاطئته للبحر الأحمر بساحل يزيد عن السبعمائة كيلومتر، ونجاح روسيا الاقتصادي في المنطقة ممكن ومتاح بأكثر من أي وقت مضى، فالعقوبات الأمريكية المفروضة على السودان تفتح الطريق أمام روسيا للعب دور اقتصادي ليس في السودان فحسب بل في كل الجوار السوداني، ربط تلك المناطق بالخطوط الحديدية يسهل من عمليات نقل منتجات تلك البلدان والنقل يمثل عقبة كبرى في وجه تلك الدول!

حاولت الصين مليء الفراغ الذي تركه الغرب في السودان ولكنها فشلت، فالصين تعاملت مع السودان بمبدأ الفائدة الحاضرة ولم تنظر إلى مستقبل العلاقات بل ولم تربط فائدتها بالأحوال الأمنية في السودان وما حوله، ونتيجة السياسة الصينية القصيرة النظر كان أن انفصل الجنوب وتعطلت بشكل ما مصالح الصين في السودان. بجانب الدور الاقتصادي كان على الصين أن تلعب دوراً سياسياً إن لم يكن لمصلحة السودان فإن مصلحتها الاقتصادية تقتضي أن تلعب دوراً في الاستقرار السياسي يلعب دوراً أساسياً في الاستقرار الاقتصادي!

ثم إن الصين توازن مصالحها في السودان مع مصالحها في أمريكا، وهذا يرجح لعب الدور الصيني في السودان بأن يكون متوائماً مع الدور الأمريكي، ورغم أن السودان يعتمد على الصين اقتصادياً، إلا أن زيارة الرئيس الصيني الجديد لم تشمل السودان، واقتصرت على تنزانيا والكنغو وجنوب إفريقيا، وهذا يدل على أن الصين قد أخرجت السودان من دائرة اهتمامها الاقتصادية والذي لم يكن أصلاً في دائرة اهتمامها السياسي، وإلا لما وافقت على فصل جنوب السودان حتى تحافظ على مصالحها الاقتصادية!
ً
ومما يمهد الطريق أمام التعاون الاقتصادي وتبادل المنافع بين روسيا والسودان هو أن روسيا لا تحمل مطامع تجاه السودان أو غيره من الدول بعكس السياسة الصينية التي لا تعبأ بالمخاطر البيئية وغيرها كما أنها تفتح المجال أمام الفساد المالي والإداري، وتستغل حاجة الدولة إليها!

موقع السودان الجيوبوليتكي يؤهله لأن يكون همزة وصل مع غرب إفريقيا ومنطقة البحيرات والقرن الإفريقي والبحر الأحمر الذي يعتبر اليوم من أهم بحار العالم الإستراتيجية، وبالنظر إلى تلك المواقع الحساسة نجد أن السودان هو الدولة الوحيدة التي يمكن أن تربط هذه المناطق اقتصادياً والرابط الاقتصادي هو تمثله السكك الحديدية التي يمكن مدها إلى تلك المنطق في السودان، حيث توجد فيه بنية أساسية لا يستهان بها من الخطوط الحديدية والتي يبلغ عمره مائة وخمسة عشرة سنة!

وروسيا الأقرب إلى السودان سياسياً واقتصادياً وحتى عقائديًا، فالمسلمون في روسيا الفيدرالية يمثلون نسبة لا يستهان بها من السكان، وروسيا عضو مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي، وتعاون روسيا مع السودان يفتح المجال واسعًا لتحقيق المشروعات التي ينوي المؤتمر الإسلامي تنفيذها في الدول الإسلامية الإفريقية وخاصة خط داكار بورتسودان الحديدي والذي تبدو روسيا مؤهلة لاقامته وتشييده أكثر من غيرها للأسباب التي ذكرتها سالفاً!

في مجال الطاقة والتعدين يبدو التأهيل الروسي عاليًا فروسيا اليوم أكبر منتج في العالم للبترول والغاز والذهب والألمونيوم وغيرها من المعادن، لذا فإن الفائدة عظيمة في التعاون الروسي السوداني في هذه المجالات، كما أن هذا التعاون يجعل روسيا في موقف سياسي قوي للوقوف إلى جانب السودان في المحافل الدولية، والتعاون الاقتصادي بين روسيا والسودان سيكون مانعاً حقيقياً لانشطارات أخرى مخطط لها أن تجري داخل السودان!

إن زيارة وزير الخارجية لموسكو جاءت موفقة في هذا الوقت بالذات، وكل الأمنيات بنجاحها لفتح أبواب التعاون ما بين موسكو والخرطوم، وهي أبواب ظلت مفتوحة منذ أكثر من ستين عامًا، فقط كانت تفتقر إلى المارين من خلالها، كما أتمنى على وزير الخارجية أن يقدم الدعوة للسيد لاقروف وزير الخارجية الروسية لزيارة السودان، فزيارة مسؤول روسي عالمي من الوزن الثقيل ستغير كثيراً في العلاقات بين روسيا والسودان وستكسر الحواجز الوهمية بين البلدين، وتجعل من يحمل عداءً للسودان يعيد حساباته!

إن الشعب الروسي والسوداني يحملان من الود لبعضهما البعض ما يجعلهما يقتسمان الخبز والملح، والشعب السوداني يكبر في شقيقه الروسي تعليم الآلاف من السودانيين في مختلف التخصصات والتي استفاد منها شعب السودان، فالشعبان متآلفان منذ أكثر من نصف قرن، وهما يلتقيان في كثير من الخصائص كالكرم ونكران الذات وحبهما للسلام، الذي قدم الشعب الروسي الملايين فداءً له، وقدم للعالم نصراً كبيراً عاش بعده كل العالم في سلام!

بقى فقط أن تدعم هذه العلاقة رسميًا، فالشعبان يرحبان بكل ما يوثق الروابط بينهما!!

صحيفة الإنتباهة
[/JUSTIFY]