يطردون الناس ….. بدعة أخرى ….!!.
** وقبل كذا سنة أيضا، عقد والي الخرطوم السابق مؤتمرا صحفيا شهيرا، بشر خلاله فقراء ومساكين الخرطوم بأن الولاية سوف تكتفي ذاتيا من الدواجن، بحيث يصبح الفراخ غذاءهم الرئيسي، ثم طالب الصحف والرأي العام بأن يمهلوه عاما وآخر – فقط لا غيرهما – حتى تكتمل مراحل تنفيذ خطة (إطعام الفقراء بالفراخ)..أسعدنا الخبر، وصدقناه بلسان حال (المؤمن صديق).. وبشرنا به الفقراء و المساكين ومدحنا الوالي المتعافي وأركان حربه مدحا لم يجده حتى سيف الدولة من شعراء مجالسه .. ثم ناشدنا الفقراء بأن يصبروا ويرابطوا في خنادق الفقر و يشدوا الأحزمة على البطون لمدة عامين فقط لاغير .. بل كدنا نوبخ المساكين بخطاب من شاكلة : ( ياخ انتو ليه ما عايزين تصبروا؟..كلها سنتين وتاكلو فراخ لامن جضومكم تتنفخ، بس أدوها صنة وصبروا نفسكم بالبوش والطعمية، وجبة عند اللزوم ) .. وانتهى العام، ثم العام التالي .. ثم التالي والتالي .. وإذ بالوالي الخضر، الذي خلف المتعافي، يعلن للناس مساء أول البارحة : ( قد نفتح الباب لإستيراد كميات محدودة من الفراخ لمدة ثلاثة أشهر بواقع الف وخمسمائة طن في الشهر، لمواجهة إرتفاع أسعار كل أنواع اللحوم بما فيها الفراخ ).. نعم، مؤتمر صحفي قبل خمس سنوت يبشر الناس والبلد بالإكتفاء الذاتي من الفراخ، بحيث يصبح طعاما للفقراء، وبمؤتمر صحفي آخر بعد خمس سنوات يبشر الناس والبلد بإستيراد الفراخ من مصر والخليج بحيث يصبح في متناول يد الأثرياء .. !!
** وقبل كذا سنة أيضا..عفوا أيها الأفاضل ، لو إسترسلت في تذكيركم بوعود الورش والمؤتمرات والندوات، لن تسعني صفحات صحيفتنا هذه ولا صفحات صحف الجوار، وكلها وعود موثقة بالصوت والصورة، وكلها تهدر المال العام، وكلها بدأت بالتبشير بالرخاء وتصدير ما يفيض، ثم إنتهت بالتحذير بالكسرة وإستيراد كل ما يسد الرمق.. وللأسف، كل سادة وعود تلك الورش الكذوبة والمؤتمرات الخادعة والندوات البائسة يتنقلون من منصب عام إلى منصب عام آخر كتنقل النحل من رحيق زهرة إلى رحيق زهرة أخرى.. عفوا، تنقل النحل يفيد الناس بالعسل، بيد أن تنقلهم يمتص رحيق المناصب بلا أية فائدة تفيد الناس والبلد.. ومع ذلك، أي رغم أن نهجهم منذ عقدين ونيف يصنع العجز ويزرع الفشل في كل مناحى الحياة، يضجرون من شكاوى الناس .. ونتأمل سويا ما جاء بالمؤتمر الصحفي لوالي الخرطوم أول البارحة ، حيث بشر بإستيراد الفراخ الذي كان يجب أن غذاء الفقراء الرئيسي، حسب وعد من سبقه في هذا المنصب، ثم قال غاضبا أو ناصحا بالنص : ( الماعندو قدرة يعيش في الخرطوم ما يقعد فيها.. وهو أمر متبع في كل العواصم)، هكذا ينصح الفقراء والمساكين.. ينصحهم بأن يغادروا العاصمة .. ولكن إلى أين ؟.. لم يحدد لهم مكانا أو أمكنة .. إلى نيالا والفاشر والجنينة، حيث معسكرات النزوح مثلا ؟.. أم إلى صحاري حلفا ودنقلا وشندي، حيث الجفاف والتصحر والزحف الصحراوي مثلا؟.. أم إلى المناقل وشقيقاتها، حيث المواسم الموؤودة بإعسار التقاوى الفاسدة والمبيدات المنتهية الصلاحية ؟.. أم إلى الدمازين وكادوقلي والكرمك وقيسان، حيث المعارك العسكرية مثلا؟.. أم ياترى إلى طوكر وأخواتها، حيث الفجوة الغذائية المسماة في غير بلادنا بالمجاعة، مثلا؟.. إلى أين يذهبون في وطن كل ميل مربع فيه موبوء ببؤس النهج الحاكم ؟..سمعا وطاعة يا مولاي، ندعم ونؤيد هذا الطرد، ويجب عليهم أن يغادروا العاصمة اليوم قبل الغد، بحيث يتركونكم في نعيم سلطتكم وثروتهم بلا إزعاج .. ولكن خبرنا بالله عليك إلى أين يجب أن تمضي قوافل هجرتهم؟.. ثم السؤال المهم جدا : ما الذي جاء بهم إلى العاصمة ؟..نتائج ورشكم وحصاد ندواتكم وثمار وعودكم هي التي جاءت بهم، فأصبر عليهم يا مولاي إلى حين .. نعم سوف يغادرون في حال إستمرار سياساتكم، ليست حياة العاصمة فحسب، بل سوف يغادرون كل الحياة..فالموت – جوعا وفقرا وحرمانا وحربا و ذلا – غير قابل ( للمقاطعة ) ..!!
إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]