الطاهر ساتي

الشيخ يوسف الكودة … نموذجا ..!!

الشيخ يوسف الكودة … نموذجا ..!!
** الداعية الإسلامي يوسف الكودة، رئيس حزب الوسط الإسلامي.. بعيدا عن حزبه، من الذين ينشطون في الحياة العامة بتقديم الأفكار وطرح الآراء، وهاتفه متاح لأهل الصحافة وكذلك يشكل حضورا ملحوظا في مناسبات مجتمع العاصمة، وهو متقد الذهن بحيث لايتعلثم ولا يتحفظ ولا يتنطع حين يسأله أي سائل – صحفيا كان أو مواطنا – أي سؤال في الشأن العام أو الخاص..يستهويني أن يكون رجل الدين قريبا من الناس، بحيث لايضع حاجزا بينه وبين المواطن، أو كما بعض الشيوخ الذين يحيطون أنفسهم بسياج من المريدين، إذ تجاوزهم – للوصول الى الشيخ – بحاجة إلى (واسطة)، أي صاروا كما الساسة وبقية المسؤولين الذين بينهم وبين المواطن حزم المتاريس..ثم هناك شيوخ يستمدون (شياختهم) من نفوذ السلطة وثروتها، بحيث تراهم ركعا وسجدا في حضرة السلاطين نهارا، ويزينون لهم افعالهم في منابر الجمعة..ولكن الكودة ليس منهم..!!
** والكودة ليس بفظ ولاغليظ القلب، و (كفة لغة التبشير) ترجح (كفة لغة التنفير) في معظم خطبه وأحاديثه..وهنا ترد الي خاطري إحدى لطائف قريتنا..شيخ مسجدنا كان مغرما بتذكير الناس بعذاب القبر، وذات خطبة عيد شرع في هذا التذكير وأسهب فيه، إلى أن بلغ موقع (الثعبان الأقرع)، و إستاء أحد أعمامي ورفع يده صائحا : ( ياشيخنا الدنيا عيد والناس فرحانة، الثعبان الأقرع بتاعك ده خليهو للجمعة الجاية..وبدور أسالك، الآخرة دي مافيها فردوس ؟، ما فيها سلسبيل؟، مافيها حور عين؟، مافيها أنهار عسل؟..ياخ إنت ليه قاطع قلبنا بالثعبان الأقرع ده في خطبك كلها؟)..ثم بصراحة، الخطيب الذي ينعس – خلال خطبته – المصلي أو ينام، بحاجة إلى (تجديد الموضوع وأسلوب السرد ) بحيث يخاطب العقل والقلب معا، ويجعلهما في حالة يقظة..ثم الخطيب الذي يوالي السلطان – بالباطل – غير مؤهل بأن يكون قدوة حسنة في المجتمع ..ولذلك تروقني خطب الكودة ..!!
** ثم خطب شيخ الكودة لا تستمد مواضيعها من قضايا الناس في عهد السلطان عبد الحميد، بل هي خطب مواكبة وتطرح قضايا الناس بمنتهى الموضوعية والعقلانية التي تخاطب العقول وليس المشاعر فقط..على سبيل المثال، الجمعة الفائتة، بمسجد الخرطوم 2، خطب في المصلين قائلا : ( مقاطعة السلع ليس حلا ناجعة لمكافحة الغلاء..ويجب على ولاة الأمر إيجاد الحلول ومعالجة شاملة للوضع الإقتصادي.. وأن سياسة التحرير و الخصخصة لاتعني تنصل الحكومة عن مسؤولياتها وواجباتها تجاه المواطن.. ويجب تخفيض الصرف على الدستوريين والأمن حتى يستعيد الإقتصاد عافيته ويجب دعم السلع الضرورية )..هكذا ملخص الخطبة، إذ تم طرح قضية الساعة (غلاء الأسعار)، وحدد أطراف المسؤولية بكل وضوح( ولاة الأمر)، ثم رفض التخدير المسمى ب(المقاطعة)، واقترح بعض الحلول ( ترشيد الصرف على الدستورين والأمن)..!!
** ولكن هناك شيخ أخر، بمنبر أخر، في ذات الجمعة، إختزل قضية الساعة تلك في أسطر قالت : ( خلاعة بعض أفراد المجتمع هي المسؤولة عن إرتفاع الأسعار، وصياعة بعض أفراد المجتمع هي سبب ضنك العيش، ولن ينصلح الحال إلا بإزالة هذه الظواهر السالبة)..هكذا يحمل الشيخ بعض أفراد المجتمع مسؤولية التدهور الإقتصادي، ولم يقترح بأن توزيع المزيد من أكشاك بسط الأمن الشامل في الأحياء سوف يساهم في رفع قيمة الجنيه أمام الدولار..وهكذا، عندما يصطدم المواطن بهذا النوع من الشيوخ الذين يتعمدون دفن الحقائق في الرمال – بحيث يصبح المسؤول برئيا عما يحدث ويدان المجتمع – يجد أمثال شيخ الكودة عند ذاك المواطن المزيد من التقدير والثناء..أما عن أفكار وآراء الكودة ، فهي تخلو من الغلو والتطرف وسوء الظن..على سبيل المثال، يرى شيخ الكودة بأن الواقي من الوسائل التي يجب تستخدم في الوقاية من الإيدز وكل المخاطر، ولكن هناك شيوخ – زي النوع داك – يرون بأن مجرد ذكر الواقي يعني تشجيع المجتمع على الإنحلال، أي لايميزون بين (الواقي والفياغرا)..على كل حال، تستهويني آراء وأفكار شيخ الكودة، وهي آراء وأفكار يجب أن تجد مساحة واسعة في الصحف والفضائيات والإذاعة، لأنها تخاطب العقول بقضايا الساعة، بلا غلو أو تنطع أو نفاق..ولكن لن تجد آراء الرجل وأفكاره تلك المساحة، لأن مناخ هذا الزمن لايفتح منافذ البوح إلا للغثاء والإدعاء والمزايدة والتنطع، ولمن يجملون وجه السلطان ويقبحون (وجه المجتمع)..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]