جعفر عباس

الثروة جعلتني مستهدفا

الثروة جعلتني مستهدفا
أفكر جديا في مقاضاة البنوك التي أحتفظ فيها بودائعي، لأن هناك أدلة ظرفية تشير إلى أنها قامت بتسريب بيانات حول أرصدتي الى جهات في مختلف أنحاء العالم، حتى لم يعد سرا أنني أملك حسابات مصرفية كثيرة في الصومال ورواندا وافغانستان، بسبب المبلغ الذي دفعه لي القعيد الليبي مزمجر الجزافي نظير تنازلي له عن يوم مولدي (الأول من سبتمبر) لينال شرف تلويث سمعة ذلك اليوم من دون أن اتمكن من مقاضاته، فطوال السنوات الماضية وأنا أتلقى رسائل الكترونية معنونة «عاجل وسري للغاية» من مديري بنوك وأبناء وبنات رؤساء دول حاليين وسابقين.. وكلهم أفارقة.. ولأن الجنس على الجنس رحمة فإنهم يتمنون لي الخير والثراء، ويطلبون مني موافاتهم بأرقام حساباتي كي يحولوا عليها «شوية» ملايين من الدولارات عجزوا عن إخراجها من بلدانهم لأسباب مفهومة لدي ولديهم.. ولكن ما حز في نفسي هو أنهم يخاطبونني بصفتي مواطنا خليجيا (وكأن السوداني ليس موضع ثقة ولا يجوز له ان يملك حسابات مصرفية عليها القيمة).. والصفقة ببساطة هي أن أكون «مكوجي/غسال»: هم يضعون النقود التي حصلوا عليها بشكل او بآخر في حسابي البنكي، وأتولى غسلها وتنظيفها من الدنس، فيعطونني عمولة رمزية لا تتجاوز الخمسة ملايين دولار عن الصفقة الواحدة! وبعد قبولي بالصفقة وتزويدهم بارقام حساباتي يقومون هم بغسلها حتى تصبح الحسابات كفؤاد ام موسى.
من المؤكد أن الكثير من القراء سمع وقرأ عن محتالين أفارقة يطلبون من آخرين من جنسيات مختلفة موافاتهم بأرقام حساباتهم المصرفية وبطاقاتهم الائتمانية ليودعوا فيها نقودا بالملايين.. وكيف ان بعض السذج ابتلع الطعم واكتشف لاحقا أن مبالغ ضخمة سُحبت من حساباته البنكية.. وبصريح العبارة فأنا منزعج من الاستهداف الذي أتعرض له من قبل المحتالين الأفارقة، لأنني أخاف على مدخراتي المودعة في البنوك.. و«من دون فخر» فإنني من الذين حققوا الثراء من أسواق الأسهم! فخلال السنوات القليلة الماضية، كان الكثيرون يلطمون الخدود ويشقون الجيوب حسرة على المبالغ التي فقدوها نتيجة للانتحار الجماعي للأسهم في أمريكا وأوروبا وآسيا ثم منطقة الخليج والجزيرة العربية، وطبعا إذا أصيب الغرب بالامساك أصيبت دول الشرق الأوسط بالبواسير!! ولكنني كنت ضمن أقلية ازدادت ثراء! كيف؟ لأنني أتمتع بحصانة ضد الأسهم، يعني فلوسي كثرت أم قلّت ظلت في جيبي ولم تتأثر باللون الأحمر أو البمبي، وإلى يومنا هذا لو جاءني أكبر وأشهر خبير مالي في العالم ونصحني بشراء عشرة أسهم في شركة «الأسد البرمائي»، وبيعها في اليوم التالي، وأكد لي أن ذلك سيعود علي ببضعة ملايين، لقلت له بكل أدب: روح.. داهية تاخذك وتاخذ الأسد.. حد الله بيني وبين الأسهم.. صرت مصفحا،.. حتى سهام الأعين لا تخترقني، بل لا أحب العيون التي تطلق السهام لأن عيوني بصراحة تكسف!!.. بعبارة أخرى أعرف أنني لن أصبح ثريا يوما ما، بل لا أحلم بالثراء… وأعرف نفسي جيدا، فلو دخلت – مثلا – سوق الأسهم واكتشفت بعد فترة أن الخمسين ألف التي اشتريت بها أسهما، ارتفعت الى خمسمائة ألف، لارتفع ضغط الدم عندي الى 500 ألف على 50 ألف.. يعني لاخترقت الأسهم قلبي وصرعتني، وتكون فضيحة لورثتي: أبوهم المسكين مات، ما قدر يتحمل صدمة أن يكون نصف مليونير.. بالريال وليس بالدولار!

[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]