عبد اللطيف البوني

الجبهة الجد جد

الجبهة الجد جد
الحرب وعرفناها, فالسودان لم يعش بمعزل عنها منذ فجر استقلاله الى يوم الناس هذا، اللهم إلا الهدنة التي أحدثتها اتفاقية أديس أببا (1973 1983 ) يمكن أن نفهم أن الحرب الأهلية كانت مفروضة على المركز أو نتيجة لسياسات المركز أو حتى نعزوها لجهات خارجية ففي كل الأحوال يمكن نعذر الجهة الحاكمة ونغني لجيش البلاد الوطني الذي حفظ الوصية ولكن الغلاء, انفلات السوق, تضخم الأسعار, هزال الجنيه السوداني ثم الجوع الكافر دا يفمهوه كيف؟ إن الإخفاق في إدارة الاقتصاد والفشل في أمر معاش الناس أمر لا يمكن غفرانه لأي نظام حاكم. إن فشل الحكم في توفير لقمة العيش للمواطن أمر لا يمكن إيجاد أي عذر له. معاش الناس هو المرآة الأساسية التي ينعكس عليها مدى نجاح النظام الحاكم من فشله فالاقتصاد هو (عضم ضهر) الوضع برمته والاقتصاد يعني القدرة على تنظيم الموارد خاصة إذا كانت شحيحة فالفشل في هذا سيؤدي حتما الى الفشل في جميع الأمور.
الكل يعلم أن انفصال الجنوب ببتروله سيؤدي حتما الى انخفاض في إيرادات خزينة الخرطوم ولكن كان المفروض أن تكون الخرطوم محتاطة لهذا الأمر لأن الانفصال بذرت بذرته منذ التوقيع على نيفاشا 2005 ونموه يزداد (يوم ورا يوم) لا بل الحكومة وبعضمة لسان مسؤوليها قالت إن الانفصال لم يؤثر على أوضاع البلاد الاقتصادية. أكثر المسؤولين تشاؤما قال إن الانفصال قد يؤثر وعلى المدى المتوسط أو البعيد على مشاريع التنمية ولكنه لن يؤثر على معاش الناس لا بل أحدهم بشرنا بالخير العميم القادم جراء الانفصال وكاد أن يقول إن التفاح سوف يحل محل اللالوب في مخالي الناس العاديين (وهذه مفردها مخلاية) ولكن وقبل أن تعود سكين الانفصال الى غمدها وقبل أن يجف دمها حدثت الكارثة الاقتصادية وكاد الجنيه السوداني الجديد أن لا يرى بالعين المجردة. أن يصل سعر الجنيه الى ما وصل اليه الآن فهذا يعني أن تملكه قد انفخض سعره بذات نسبة انخفاض الجنيه وما تود شراءه قد ارتفع سعره بذات النسبة (شفتو الكارثة دي كيف؟).
بدون لف أو دوران هذا الذي يحدث هو مسؤولية الحكومة ولسبب بسيط جدا هو أنه خلال العشرين سنة الأخيرة وضعت الحكومة ممثلة في المنتمين لها سياسيا يدها على النشاط الاقتصادي حتى سياسة الخصخصة والتحرير الاقتصادي وماعاف ايه كانت عبارة عن تسليم وتسلم من يد الى يد الحكومة ويكفي أن عدد الشركات الحكومية يفوق الخمسمائة ومعروف من يدير هذه الشركات ومع من تتعامل فأي انفلات في الأسعار أو ضعف أو هزال أصاب الجنيه السوداني هو مسؤولية الحكومة ولا أي جهة أخرى غير الحكومة فإذا وصلت الحكومة مرحلة عدم القدرة على كبح جماح منسوبيها فسوف تدفع الثمن. ثم ثانيا الحكومة هي التي تسيطر على آليات الدولة فيمكنها عبرها إدارة السلع الأساسية من خبز وسكر ومشتقات بترول والذي منه كما أن الحكومة هي التي تضع التشريعات المالية من ضرائب وجبايات وجمارك والذي منه فيمكنها أن تجعل حركة الخروف من مكان (قطع سرته) الى مكان قطع رقبته بتكلفة تجعل سعر الكيلو نصف ماعليه الآن. إذن يا جماعة الخير الشغلانة كلها معلقة في رقبة الحكومة فالتشيل شيلتها.

حاطب ليل- السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]