جعفر عباس

التنس جلب علي الشبهات

التنس جلب علي الشبهات
لاحظ أفراد عائلتي تحولا غريبا في عاداتي وسلوكي، بعد أن صرت حريصا على متابعة مباريات بطولة التنس العالمية، وصرت أتحدث عن سيرينا وليامز وفيدرر، وأنفعل مع هذا اللاعب أو ذاك، وإذا قالوا لي إن فلانا يريدني على الهاتف أصيح فيهم: قولوا له مش فاضي.. بدأت الحكاية عندما كنت بمفردي في البيت، ومررت على نحو عشرين قناة تلفزيونية، وكانت جميعها تسد النفس، أو تستفز رجولتي، فقررت التوقف عند قناة كانت تبث مباريات التنس، من دون أن أتعمد النظر إليها، وأمسكت بعدد جديد لمجلة، وقلبت المجلة فلم يستوقفني فيها سوى مقال واحد،.. وكما المضطر الذي يركب الصعب، جلست أنظر إلى لاعبي التنس، وانتبهت للمرة الأولى إلى أنها لعبة صعبة وبها جماليات ومهارات لافتة للانتباه، ومنذ ذلك اليوم صرت أجلس طويلا أمام التلفزيون لمتابعة مباريات التنس الدولية، وأجمل ما في الموضوع هو أنني لست معنيا بأن يفوز زيد أو عبيد.. يعني لا تفرق معي إذا فاز سويسري أو سنغالي.. الغريب في الأمر هو أنني لا أتمنى الفوز للشقيقتين الأمريكيتين سيرينا وفينوس وليامز.. عجيب! لأنه يفترض أن الجنس على الجنس رحمة، وهما من أصول إفريقية مثلي، ولكن الثنائي وليامز – وباعتراف أبيهما – مبرمجتان منذ الطفولة كي تفوزا،.. وبس.. يعني هما مثل فريق كرة القدم الألماني الذي يفوز بمباريات كثيرة، ولكن بأسلوب لعب فظ خال من أي لمسات فنية.. على كل حال فالمهم عندي في مجال التنس الذي دخلته متأخرا هو «الفرجة» على لعبة اكتشفت أنها قمة في الإمتاع وتتطلب لياقة بدنية عالية، وما هو أجمل من كل ذلك هو أنه لم يكن هناك بين المتنافسين لاعب عربي، بل ليس من الوارد أن يصل عربي إلى ويمبلدون خلال الأعوام المائة المقبلة، مصحوبا بمشجعين يقرعون الطبول وينفخون في الأبواق، وعندما يخسرون المباراة يعزون ذلك إلى مؤامرة صهيونية.
زوجتي تفسر تعلقي بالتنس بأنه من علامات الخَرَف، ولو قالت «الخرف المبكر» لما حزَّ كلامها في نفسي، ولكنها كل ما مرت بي وعيناي معلقتان على الشاشة تقول: اختشي على دمك يا راجل.. عيب عليك تتفرج على عيال يتنططوا بكورة صغيرة! وكي أؤكد لها أنني أشاهد التنس بكامل قواي العقلية، فإنني فور سماع عباراتها التهكمية تلك أنتقل إلى قناة روتانا أو ميلودي أو أم تي في.. حيث تتلاعب مطربات من فصيلة نواقض الوضوء بكرات على صدورهن! وعينك ما تشوف إلا النور! تتحول أم الجعافر إلى وحش كاسر وتتوجه إلى لوحة مفاتيح الكهرباء وتسحب كل الفيش والفيوزات حتى يغرق البيت في الظلام.. عندئذ أقول لها بكل خبث: أهه، التنس وللا أبصبص في روبي وأليسا والعجرمية؟ هنا ألمح الهزيمة في وجهها فتسمح لي باستئناف متابعة مباريات التنس.. ولحسن حظي فإن شخلوعة التنس العالمية آنا كورنيكوفا الروسية التي حولت لعب التنس إلى نوع من الرقص الشرقي،.. هذه اللاعبة لم يعد لها مكان في ساحات التنس المحترمة، ولو رأتني زوجتي أتفرج عليها لجعلت مني «فُرجة» ومسحت بي الأرض… فـ«التخلف» وراثي في بيتنا!!وقد حرصت أيضا على متابعة قرعة الألعاب الأولمبية لعام 2012، وعندما فازت بها لندن لمست غضبا في بعض الأصدقاء فقلت لهم: لماذا الغضب؟ هل كنتم تتمنون فوز السودان أم اليمن بتنظيم الدورة؟ يا جماعة: في مجالات الرياضة والعلوم والاختراعات والاقتصاد والتنمية والبحوث نلتزم نحن بحكم صلاة الجنازة، فطالما غيرنا يقوم بالاجتهاد في تلك المجالات لا داعي لوجع الرأس، وعلينا التركيز في المجالات التي أثبتنا فيها كفاءة وجدارة مثل تلويث النسل في أوروبا وآسيا صيفا، واتهام إسرائيل بأنها تتآمر للإطاحة بحكامنا الديمقراطيين المزمنين، الذين لا نرضى بهم وعنهم بديلا، لأنهم سيحررون فلسطين وسيحاربون الفقر ويوفرون لنا الحريات.. في المشمش، وما موسم المشمش في «حماة» ببعيد.

[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]