هنادي محمد عبد المجيد

قصة عقلين‏

قصة عقلين‏
قصة عقلين هو عنوان لكتاب حديث يصف من خلاله الباحث الأمريكي – مارك جونجر- كيفية عمل كل من عقل الرجل وعقل المرأة ،حيث يؤكد الباحث أن الإختلاف بين الرجل والمرأة إختلاف في أصل الخلقة – أي التكوين الخلقي -حيث لا يمكن علاج هذا الإختلاف ولكن يمكن التعامل معه بعد أن يفهم كل طرف خصائص الطرف الآخر ودوافعه لسلوكه التي تبدو غريبة وغير مبررة، ، ولشرح هذا الإختلاف شبه عقل الرجل بأنه مكون من صناديق محكمة الإغلاق وغير مختلطة ،أي أنه هناك صندوق سيارة وصندوق العمل وصندوق الأولاد وصندوق الأصدقاء وصندوق المقهى إلى آخره من الإهتمامات ،وإذا أراد الرجل شيئا فإنه يذهب إلى هذا الصندوق ويفتحه ويركز فيه ،،وعندما يكون داخل هذا الصندوق فإنه لا يرى شيئا خارجه وإذا انتهى أغلقه بإحكام ثم شرع في فتح صندوق آخر وهكذا ،،وهذا هو ما يفسر أن الرجل عندما يكون في عمله فإنه لا ينشغل كثيرا بما تقوله زوجته عما حدث للأولاد ،إذا كان يصلح سيارته فهو أقل اهتماما بما يحدث لأقاربه ،وعندما يشاهد مباراة لكرة القدم فهو لا يهتم كثيرا بأن الأكل على النار يحترق أو أن عامل التليفون يقف على الباب من عدة دقائق ينتظر الإذن للدخول ،،أما عقل المرأة فشيء آخر :فهو مجموعة من النقاط الشبكية المتقاطعة والمتصلة جميعا في نفس الوقت والنشطة دائما كل نقطة متصلة بجميع النقاط الأخرى مثل صفحة مليئة بالروابط على شبكة الإنترنت ،وبالتالي فهي يمكن أن تطبخ وترضع صغيرها وتتحدث في الهاتف وتشاهد المسلسل في وقت واحد ،ويستحيل على الرجل عادة أن يفعل ذلك ،،كما أنها يمكن أن تنتقل
من حالة إلى حالة بسرعة ودقة ودون خسائر كبيرة ،الأخطر أن هذه الشبكة المتناهية التعقيد تعمل دائما ولا تتوقف عن العمل حتى أثناء النوم، لذلك نجد أحلام المرأة أكثر تفصيلا من أحلام الرجل ،،والمثير في صناديق الرجل أن لديه صندوق اللاشيء ،فهو يستطيع أن يفتح هذا الصندوق ثم يختفي فيه عقليا ولو بقي موجودا بجسده وسلوكه ،يمكن للرجل أن يفتح التلفزيون ويبقى أمامه ساعات ينتقل بين القنوات وهو في الحقيقة يصنع لا شيء ،أو يذهب ليصطاد فيضع الصنارة في الماء عدة ساعات ثم يعود كما ذهب ،تسأله زوجته ماذا إصطدت فيقول لا شيء لأنه لم يكن يصطاد ،كان يصنع لاشيء ،،وفي حالات الإجهاد والضغط العصبي ،يفضل الرجل أن يدخل صندوق اللاشيء ،وتفضل المرأة أن تعمل شبكتها فتتحدث في الموضوع مع أي أحد ولأطول فترة ممكنة ، إن المرأة إذا لم تتحدث عما يسبب لها الضغط والتوتر يمكن لعقلها أن ينفجر مثل ماكينة سيارة ،والمرأة عندما تتحدث مع زوجها فيما يخص أسباب عصبيتها لا تطلب من الرجل النصيحة أو الرأي ،ويخطئ الرجل إذا بادر بتقديمها ،كل ما تطلبه المرأة من الرجل أن يصمت ويستمع ويستمع فقط ! لأن الرجل الصندوقي بسيط والمرأة الشبكية مركبة ،واحتياجات الرجل الصندوقي محددة وبسيطة وممكنة وفي الأغلب هي إحتياجات مادية ،،أما إحتياجات المرأة الشبكية فهي صعبة التحديد ومركبة ومتغيرة ،قد ترضيها كلمة واحدة وأحيانا لا تقنع بأقل من عقد ثمين مثلا ،وفي الحالتين فإن ما أرضاها ليس الكلمة ولا العقد وإنما الحالة التي تم فيها صياغة الكلمة وتقديم العقد ،،والرجل بطبيعته ليس مهيئا لعقد الكثير من الصفقات المعقدة التي لا تستند لمنطق ،والمرأة لا تستطيع أن تحدد طلباتها بوضوح ليستجيب لها الرجل مباشرة ،وهذا يرهق الرجل ولا يرضي المرأة !الرجل مصمم على الأخذ والمرأة مصممة على العطاء ،لذلك عندما تطلب المرأة من الرجل شيئا فإنه ينساه لأنه لم يتعود أن يعطي وإنما تعود أن يأخذ وينافس ،يأخذ في العمل يأخذ في الطريق ويأخذ في المطعم ،،بينما اعتادت المرأة على العطاء ولولا هذه الفطرة لما تمكنت من العناية بأبنائها ،وإذا سألت المرأة الرجل شيئا فأول رد يخطر على باله :لماذا لا تفعلي ذلك بنفسك ؟ فتظن الزوجة أن زوجها لم يلبي طلبها لأنه يريد إحراجها أو ليؤكد احتياجها له أو إهمالها ،،وهي تظن ذلك لأنها ذات شخصية مركبة ،،وهو لم يستجب لطلبها لأنه نسيه ،ونسيه لأنه شخصية بسيطة ولأنها حين طلبت هذا الطلب كان داخل صندوق اللاشيء ، أو أنه عجز عن استقباله في الصندوق المناسب فضاع الطلب أو أنه دخل في صندوق لم يفتحه الرجل من فترة طويلة ،،،كان هذا التحليل الطريف لمارك جونجر الذي حاول تقريب وجهات النظر بين الأزواج ،،إلا أني أعتقد أنه أضاف المزيد من التعقيد على هذه الحالة التي نستطيع نحن الشرقيون بطبيعتنا الودودة تجاوزها بأفضل وأسرع الطرق دون أن تمر عبر كل تلك التعقيدات ،،أليس كذلك ؟

هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]