الأبجدية وعلاقتها بالخرف (2)
قامت الدنيا ولم تقعد بعدُ، منذ ان قالت صحفية خليجية في مقال لها مؤخرا: ان الرجال كذابون، ورأى البعض في تلك التهمة، تطاولا على الرجل المشهود له «تاريخيا» بالصدق والاستقامة، وبما انني كنت من معارضي حرب داحس والغبراء، وكل الحروب الدونكيشوتية التي خاضها القادة العرب على الورق، ونشفوا ريقنا وكتموا أنفاسنا بسببها، فانني اعلن عدم انحيازي إلى أيّ من طرفي النزاع النسائي – الرجالي، وأواصل ما بدأته أمس من سرد لعلامات التقدم في السن، وأقول «عرضا» انني التقيت عشرات وربما مئات الرجال الذين يزوِّرون أعمارهم (لم أقل يكذبون!!) من دون ان يعلنوا تنزيلات رسمية، والتزوير في العمر قد يكون شفاهة أو كتابة بطرح بضع سنوات من العمر الأصلي، وفي العالم العربي تستطيع ان تحصل على شهادة ميلاد جديدة كل سنة، لتلائم «سيرتك الذاتية» والوظائف التي تطمح الى الفوز بها، وقد يكون التزوير بارتداء الباروكة وقد يكون بصبغ الشعر، او التعلق بغادة عبدالرازق بدلا من ليلى مراد.. ما علينا، وعطفا على ما أوردته هنا أمس، أقول إن الأبجدية تنقلب عليك اذا تقدمت في السن، فحرف الصاد يعني الصمت المطبق الذي يلفك بعد ان يبتعد عنك ذووك، بزعم أنك كثير الشكوى والطنطنة، مع انك بدورك تشكو من الطنطنة بسبب الطنين الذي في أذنك، وتحسبه من دوشة العيال، فيقال لك ان العيال كبرت وفلسعت وطفشت، والضاد يرمز إلى ضمادات والكمادات الساخنة شتاء والباردة صيفا، والطاء ترمز الى الطعنة في فخذك الأيمن فتطالب بعرضك على أخصائي قلب، ولكن أحفادك الجهلة يصرون على أن القلب على الجانب الأيسر من الصدر، ويقول لك طبيب العظام إن ألم الفخذ الأيمن بسبب عامل السن، فتقول له إن الفخذ الأيسر في نفس عمر وسن الأيمن ومع هذا لا يسبب لك الألم!! والظاء هي الضاد ان كنت من أهل الجزيرة العربية وكنت تراجع لأحفادك دروس الإملاء، واكتشفت ان المدرسين يفوتون كتابة التلاميذ عبارة مثل «ابوظبي هي عاصمة الإمارات»، وحرف العين هو عصب السياتيكا الذي يسبب عرق النسا الذي لا يصيب النساء فبئس التسمية!! والغين هو الغازات، وهو ما يقول من حولك انها الغرغرينا التي حسبتها انت بادئ الأمر مشروبا غازيا جديدا، والفاء فقر الدم، والقاف القرف الذي يصيبك من الأكلات العديمة الطعم والنكهة التي باتوا يقدمونها اليك لأن بطنك «كلش خراب..وكل ما يدخل فيها يسبب الحروب الأهلية التي تستخدم فيها الغازات التي تفتك بأنوف من حولك»: يحرمونك من الملح لانك تعاني من ارتفاع ضغط الدم ومن الأشياء الحلوة بسبب السكري ومن اللحم بسبب الكولسترول المرتفع والقاوت (لا تكن بلديا وتتكلم عن النقرس بل قل القاوت، فهي مثل أن تقول: أوف كورس، بدلا من ان تقول «طبعا» كما يفعل عامة الناس البلديين)، والكاف هي كليتاك اللتان أصبحتا «نشافة» فتمتصان كل السوائل، ولا تفرزان منها شيئا، والكاف أيضا هو الدرر التي تنطق بها ولكن من حولك يقولون إنها «كلام خارم بارم»، واللام قد تكون اللوكيميا التي سمعت العيال يقولون انها أكلة هندية تتألف من شطة عليها بعض اللحم، والميم هي المناخوليا التي تصيبك كلما رأيت أحفادك يتحلقون لرؤية مذيعة تلفزيونية تشبه عود الكبريت، وتتأرجح وتضحك من دون سبب، واسمها على وزن جعران!! والهاء هي الزفرة التي تطلع منك كلما حاولت ان تضحك.. والواو وسادة خالية أبكاك عليها إحسان عبدالقدوس، في عصر توسدك رواياته ودواوين نزار قباني، والياء: يا رب حسن الخاتمة
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]