تحقيقات وتقارير

بدأ عدها التنازلي.. الانتخابات والدعم الخارجي

[ALIGN=JUSTIFY]أخيراً وبعد جدل استمر طويلا أسدل الستار على تكوين مفوضية الانتخابات ومجلس الأحزاب، كآخر آليات الوصول لمحطة الانتخابات القادمة، التى أعلن السيد رئيس الجمهورية في مراسم أداء القسم لأعضاء المفوضية ومجلس الأحزاب أول أمس قيامها بعد سبعة اشهر بكل حرية ونزاهة.
وفي ذات الوقت حملت الصحف في طي صفحاتها نفي القائم بأعمال السفارة الأمريكية بالخرطوم البرتو فرنانديز دعم أمريكا للحركة الشعبية في الانتخابات المقبلة، حينما ووجه من الصحافيين باتهام أمريكا بدعم الحركة الشعبية، وبرغم النفي الأمريكي، تظل قضية الدعم الخارجي للأحزاب في الانتخابات من القضايا التى تؤرق كثيرين.
وقد خصصت ميزانية العام القادم مبلغ «900» مليون جنيه لمقابلة تكلفة الانتخابات القادمة من الناحية الاجرائية، ولكن تظل الميزانيات التى ترصدها الأحزاب والقوى السياسية للانتخابات لاستقطاب الجماهير وادارة الحملات الانتخابية موضع اهتمام للمراقبين، في ظل الفقر الذي تعانيه الأحزاب عموماً وضعف التمويل الجماهيري للانتخابات، ما يجعل الباب مفتوحاً أمام هذه الأحزاب لطرق أبواب الدعم المختلفة، والتى لن يكون بعيداً عنها الدعم الخارجي الذي يجود به الداعمون حسب أجنداتهم، لذا يطل دعم القوى الخارجية للأحزاب في الانتخابات القادمة كأحد القضايا التى تجد الاهتمام من الرأي العام والقوى السياسية نفسها، فكيف سيكون هذا الدعم، ومن الذي يستقبله!.
ويحظر قانون الانتخابات والأحزاب تلقي أى حزب لدعم مالي مصدره من أجنبي، وينص القانون في بند «مصادر تمويل الأحزاب» حظر أي تمويل أجنبي لتأثيره على الانتخابات، وأوكل القانون للمفوضية القومية للانتخابات تمويل العملية الانتخابية، وان يشرف مجلس الأحزاب على مراقبة مصادر تمويل الأحزاب، وقد وضع القانون للمفوضية الانتخابية تحديد سقف أعلى للانفاق كتكلفة لكل دائرة، ويطالب المرشح بتقديم كشف حساب لأوجه انفاقه في الحملة الانتخابية، وينقسم الدعم الى شقين دعم فنى لكل الأحزاب، بمثل ما يقوم به «المعهد الدولى لتطوير الديمقراطية» بجنوب أفريقيا الذي يضطلع منذ ثلاث سنوات بتنفيذ برنامج لتطوير قدرات الأحزاب السودانية بتدريب حوالى «30» كادرا حزبيا بمعدل «5» كوادر لكل من أحزاب «الأمة والشيوعي والشعبي والوطني والحركة الشعبية والاتحادي»، كما اعلنت الأمم المتحدة دعمها للانتخابات، والمعروف ان المنظمة الدولية تقدم المساعدة الانتخابية للدول، وتشارك بتوفير الدعم الفنى وفقاً للانتخابات المستوفاة لشروط الديمقراطية، كما أعلنت كذلك الولايات المتحدة والأتحاد الأوربي تقديم الدعم للانتخابات المقبلة.
أما الشق الثاني فهو الدعم المالي المباشر لأحزاب بعينها، وهو الدعم الذي يحظره القانون. وقد أشار مولانا محمد أحمد سالم استاذ القانون الدستوري ومسجل الأحزاب السابق، في حديثه لـ«الصحافة» بقوله «ان هناك صعوبة عملية ان تسطيع مفوضية الانتخابات أن تضبط الانفاق الحزبي على الانتخابات أو تسيطر على تدفق المال من خارج الحدود لأن ذلك لا يتم بصورة علنية، مشيراً الى ان الأحزاب الممتدة ولها علاقات مع دول أخرى تدعمها، ولكن يصعب معرفته، خاصة وان الحد الأدنى للضوابط الذي يترك للأحزاب هو ميثاق الشرف، واضاف ان مفوضية الأحزاب مطالبة باصدار فتوى حول الدعم اللوجستي الذي يمكن ان تقدمه جهة أجنبية لحزب معين، وهو غير منصوص عليه في القانون، وكذلك فتوى حول الدعم الذي يمكن ان يقدمه السودانيون في الخارج هل يعتبر دعما أجنبيا أم سودانيا.
ويثير كثيرون شكوكا حول دعم أمريكي للحركة الشعبية القادم الجديد للحكم بموجب اتفاقية نيفاشا «2005م» وهو الدعم الذي تنفيه الحركة وكذلك المبعوث الأمريكي في تصريحاته أمس، ولكن يذهب مراقبون الى ان النفي قد لا يعني عدم صحة الدعم لحساسيته.
ولم يكن الدعم الخارجي للأحزاب في الانتخابات جديداً على الساحة السياسية، ففي أول انتخابات أجريت قبل الاستقلال «1953م»، اتهمت القوى السياسية مصر بانفاق أموال طائلة لدعم الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي كان يدعو للوحدة مع مصر، ويقال ان الصاغ صلاح سالم مسؤول شؤون السودان في الحكومة المصرية وقتها أنفق أموالاً كثيرة لدعم حملة الحزب الاتحادي مما جعل القوى السياسية تعد ذلك تدخلاً في الشؤون الداخلية.ولكن نائب رئيس الحزب الاتحادي الأستاد على محمود حسنين قال لـ«الصحافة» نحن لا نتلقى دعما خارجيا لأنه مرتبط بأجندة تفرض على الأحزاب، ونعتمد في تمويلنا على جماهير الحزب وتجاره الذين أثرت عليهم الرأسمالية الجديدة المدعومة من السلطة . ولكن مولانا محمد أحمد سالم أشار الى ان كل الانتخابات الماضية كانت تدعم من الخارج، ولم تكن هناك آلية لضبط المال القادم من الخارج، وقال في انتخابات «1986م» كان هناك دعم خارجى معروف وكل القوى السياسية تلقت دعما من الخارج.
ولا يستبعد مراقبون ان تنطلى حالة التدخل الدولى الواضح والذى يشكل الواقع السياسي في كل محاوره، ان تؤدى لتلقي دعم خارجي لبعض الأحزاب في الانتخابات المقبلة، ما يؤدي لأن ترهن هذه الأحزاب ارادتها للجهة الممولة وبالتالي تزييف الأجندة الوطنية، ومضي الاستاد كمال عمر أمين الدائرة السياسية بالمؤتمر الشعبي لـ«الصحافة» بقوله «لتلافي الدعم الخارجي لابد من التعامل مع الوضع المالى للأحزاب»، وقال الحكومة اذا استشعرت هذا الخطر وجعلت القضية الوطنية أولوية لها وقامت بدعم الأحزاب يمكن ان تقطع الطريق أمام هذه الممارسات، وقال ان «المؤتمر الشعبي ليست هناك جهة تدعمه»، وأضاف نرفض كل أشكال التدخل في الشأن الداخلى، ولكن من ناحية التمويل نحن بين مطرقة الحكومة وسندان الدعم الخارجي، ولكننا سنعتمد فقط على مكتسباتنا وعلى دعم عضويتنا والاشتراكات، وقال ان الحكومة تريد أن تفوز بالانتخابات وتجرد الأحزاب من المال وهذا سيؤثر على الانتخابات.
من جهته، قال الأستاد سليمان حامد القيادي بالحزب الشيوعي لـ«الصحافة» ان الحديث عن التمويل يمكن يكون حقيقة، ويمكن ان يكون مزايدات، ولكن مبدأ عدم دعم الأحزاب من الخارج برأيه مبدأ صحيح، وقال «في الحزب الشيوعي ليس لدينا تمويل من الخارج، نمول من اشتراكاتنا وتبرعات الأصدقاء لذا نحن فقراء جداً»، أما الأحزاب الأخري فقال لا أستطيع ان أجزم بأنها تمول أو لا، لذا يجب ان يكون هناك وضوح، وأضاف لقطع عملية التمويل الخارجي أو لجوء الأحزاب اليها نطالب الحكومة بأن تعمل بمبدأ تساوي الفرص في الأجهزة الاعلامية.
ولكن حينما سئل د. نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية حول ما تردد عن تمويل حملة حزب المؤتمر الوطني من اموال الدولة، قال للصحافيين أول امس ان «كل حزب يتحدث بذلك يعاني من حالة الخوف، انه في حالة نفسية يصعب انتزاعها.» واكد ان القضية في الانتخابات ستكون المنافسة ، واضاف «نحن مستعدون للمنافسة.» وتتهم معظم الأحزاب شريكي نيفاشا المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بتمويل أنشطتهما الحزبية من أموال الدولة وهو الأمر الذي ينفيه الحزبان باستمرار.
ولكن بعض المحللين يقللون من عملية أن تقبل قوى خارجية على دفع مبالغ مالية تخوفاً من عدم اجراء الانتخابات العام القادم بعد تداعيات المحكمة الجنائية الدولية، وكان محللون قد ذهبوا الى أن توقيت توجيه الاتهام من المحكمة الجنائية للبشير قصد به قطع الطريق أمامه للترشح للانتخابات القادمة، وبالتالى احداث فراغ وربكة في أروقة المؤتمر الوطني ما يجعل الفرصة أكبر أمام مرشح الحركة الشعبية في الانتخابات المقبلة.
بتكوين مفوضية الانتخابات، وتعين أعضاء مجلس الاحزاب، تكون آليات اجراء قيام الانتخابات قد أوشكت على الاكتمال من الناحية الاجرائية، وسبعة اشهر كما اعلن الرئيس ستفصلنا عن الانتخابات، وفي ظل الفقر الذي تعانيه الأحزاب وضعف تمويلها، ينتظر مفوضية الانتخابات ومجلس الأحزاب التحدي الأكبر في ضبط التمويل الحزبي واستخدامه، فهل ينجحا في ذلك، أم ستمتلىء الخزائن بأموال الداعمين.
خالد البلوله ازيرق :الصحافة [/ALIGN]