هنادي محمد عبد المجيد

العلم والإيمان‏

العلم والإيمان‏
العلم والإيمان ،، إسم ارتبط بالمفكر والطبيب والكاتب والأديب المصري الدكتور مصطفى محمود ، والذي عاش في الفترة ما بين 27ديسمبر1921م – 31أكتوبر 2009م ،، ما يعني أننا في الذكرى الثانية لرحيله عنا ، إلا أننا هجرنا ذكر هذا الرجل من قبل مماته ،بعد اختفائه عن الأنظار وعزلته بسبب مرضه الذي فارق الحياة بسببه بعد اصابته بجلطة دماغية لزم على اثرها العزلة والفراش لأكثر من خمس سنوات متصلة ، حتى وافته المنية وهو تحت رعاية ولديه أدهم وأمل ,عن عمر ناهز ال88عاما ،عامرة وصاخبة بالأحداث والمنجزات التي أثرى بها المكتبة العربية من خلال مؤلفاته في مختلف مجالات البحث العلمي والفكر الإسلامي والإقتصادي والإجتماعي والأدبي الروائي والسياسي أيضا ، ، حيث ألف 89كتابا منها الكتب الدينية والعلمية والفلسفية والإجتماعية والسياسية ، بالإضافة إلى كتب الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات ،، تميز أسلوبه بالجاذبية مع العمق والبساطة ،، واشتهر ببرنامجه العلم والإيمان الذي قدمه من خلال 400حلقة متصلة ،، إلا أن هذا البرنامج قد تم إيقافه بأمر رئاسي لأنه يزعج السلطات الصهيونية ،، عاش مصطفى محمود في مدينة طنطا بجوار مسجد السيد البدوي الشهير ، الذي يعد أحد مزارات الصوفية الشهيرة في مصر مما ترك أثره الواضح على أفكاره وتوجهاته ،، بدأ حياته متفوقا في الدراسة حتى ضربه مدرس اللغة العربية فغضب وانقطع عن الدراسة مدة ثلاث سنوات إلى أن انتقل هذا المدرس إلى مدرسة أخرى فعاد مصطفى محمود لمتابعة الدراسة ،، خلال فترة الثلاث سنوات هذه أنشأ معملا صغيرا في بيت والده لصناعة الصابون والمبيدات الحشرية لقتل الحشرات التي كان يقوم بتجميعها بعد ذلك وتشريحها ، وكبرت معه الموهبة فأشتهر في كلية الطب” بالمشرحجي” ، نظرا لوقوفه الطويل أمام أجساد الموتى طارحا التساؤلات حول سر الحياة وسر الموت وما بعدهما ،،وفي فترة الستينيات ظهرت الفلسفة الوجودية وتزايد التيار المادي ، ولم يكن مصطفى محمود بعيدا عن ذلك التيار الذي أحاطه بقوة ،،يقول عن ذلك رحمه الله :” احتاج الأمر ثلاثين سنة من الغرق في الكتب وآلاف الليالي من الخلوة والتأمل مع النفس ،وتقليب الفكر على كل وجه لأقطع الطريق الشائكة من الله والإنسان إلى لغز الحياة والموت إلى ما أكتب اليوم على درب اليقين” ثلاثون عاما من البحث عن الله قرأ وقتها عن البوذية والبراهمية والزرادشتية ومارس تصوف الهندوس القائم على وحدة الوجود حيث الخالق هو المخلوق والرب هو الكون في حد ذاته ، وهو الطاقة الباطنة في جميع المخلوقات ،تلك النظرية التي تركت ظلالا على التصوف الإسلامي ، الثابت أنه في فترة شكه لم يلحد فهو لم ينف وجود الله بشكل مطلق ولكنه كان عاجزا عن إدراكه ، كان عاجزا عن التعرف على التصور الصحيح لله – أليس العقل الذي يفكر به مادة تخضع كل شيء للتجسيم ؟ – وقد صهرته هذه التجربة وصنعت منه مفكرا دينيا خلاقا ، ثلاثون عاما أنهاها بأروع كتبه وأعمقها ومنها:( حوار مع صديقي الملحد) ( رحلتي من الشك إلى الإيمان) ( التوراة) ( لغز الحياة) (لغز الموت) وإن كان حجة الإسلام أبو حامد الغزالي إعتمد على الإلهام الباطني لينقذه من الحيرة والضلال والتأمل للوصول إلى الله ، فإن مصطفى محمود اعتمد على الفطرة حيث انتهى إلى أن الله فطرة في كل بشري وبديهة لا تنكر ،وهو بذلك يقترب في نظريته كثيرا من نظرية ( الوعي الكوني) لعباس العقاد ،، ومن عائد أول كتبه ( المستحيل) اشترى قطعة أرض وبنى عليها مسجدا أطلق عليه إسم والده إلا أن إسمه غلب عليه ، وإحتوى المسجد على ثلاث مراكز طبية ومستشفى وأربع مراصد فلكية وعينات لصخور جرانيتية ومعروضات محنطة أخرى، فيما خصصت المراكز الطبية لعلاج الفقراء وذوي الدخل المحدود ،، وكما سبق أن قلنا أنه برع في مجالات مختلفة منها الفلسفة والتصوف والأدب والفكر ،وكثير من الأحيان كانت أفكاره ومقالاته تثير جدلا واسعا عبر الصحف ووسائل الإعلام ،، تعرض لأزمات كثيرة كان من أبرزها تقديمه للمحاكمة بسبب كتابه ( الله والإنسان) والذي قدمه الرئيس جمال عبد الناصر بنفسه للمحاكمة بناءا على طلب من الأزهر بمحاكمته بإعتبارها قضية كفر ! – فقد اصطفاه الله بسعة الأفق التي لا يمتلكها علماء الدين العاديين فلم يفهموا أسلوبه في التفكير فرموه بالكفر ظلما وبهتانا – إلا أن هذا الكتاب حاز على إعجاب الرئيس السادات والذي أمر بإعادة نشره ، وكان السادات صديق شخصيا لمصطفى محمود الذي حزن على مقتل السادات حزنا شديدا وقال في ذلك:” كيف لمسلمين أن يقتلوا رجلا رد مظالم كثيرة وأتى بالنصر وساعد الجماعات الإسلامية ومع ذلك قتلوه بأيديهم ” وعندما عرض عليه السادات الوزارة رفض قائلا :” أنا فشلت في إدارة أصغر مؤسسة وهي زواجي فقد كنت مطلقا لمرتين، فأنا أرفض السلطة بكل أشكالها ” ورفض مصطفى محمود الوزارة متفرغا للبحث العلمي .
وعلى الصعيد السياسي هاجم الدكتور مصطفى محمود الشيوعية وهاجم الديمقراطية الأمريكية معللا ذلك بأن الشيوعية أثبتت فشلها وهاهي قد سقطت، أما الديمقراطية الهشة والمزيفة التي تريدها الولايات المتحدة الأمريكية برموزها فقد وصفها بأنها مجموعات مصالح ، وله رأي خاص في شأن السياسة الأمريكية وقال أنها تسعى لتأسيس إمبراطورية على النمط الروماني القديم وهذا ما تأكد بعد انهيار النظام الشيوعي وهو ما تأكد أكثر بعدما اتخذت أمريكا أحداث 11سبتمبر ذريعة لإجتياح أفغانستان والعراق ،وقال أن النظام السياسي بالولايات المتحدة الأمريكية خير دليل على ذلك حيث نجده يعتمد على تحالف ضيق من أصحاب رؤوس الأموال والمؤسسات وشركات السلاح والنفط ، على أنه ليس بوسع أي شخص أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة ولا عضوا في الكونجرس الأمريكي حيث يلعب رأس المال وتكتلات المصالح السياسية والإقتصادية دورا حاسما في هذه المسألة ،،- ولعل حالنا الآن يغني عن الشرح بعد إستشراء هذا الأسلوب الأمريكي بين كافة دول العالم ولا سيما الدول العربية ! – المفكر الدكتور مصطفى محمود عبقرية عربية إسلامية فذة ترى بعين البصيرة النافذة ، ورد ذكرها الآن لأخذ العبرة والعظة فالتاريخ يكرر نفسه . من أعظم مؤلفاته: عظماء الدنيا وعظماء الآخرة — الإسلام السياسي والمعركة القادمة — الأحلام– رجل تحت الصفر — القرآن محاولة لفهم عصري — رأيت الله — لماذا رفضت الماركسية — أكذوبة اليسار الإسلامي — ماذا وراء بوابة الموت — الغد المشتعل ،، رحم الله صاحب العلم والإيمان بما ترك لنا من إرث حقيقي .

هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]