الطاهر ساتي

أهكذا طعم الحزن ..؟؟


أهكذا طعم الحزن ..؟؟
يقولون بأن اصدق الكلمات هي التي تصدرها القلوب الحزينة، ولذلك هناك شبه إجماع بأن شعر الرثاء هو أصدق أنواع الشعر.. والشعراء في نعمة وأيم الله، إذ هم لايعجزون عن تحويل أحزانهم غلى أشعار تفتح أبواب المشاطرة للناس جميعا، فيدخلون عبرها وشاطرونهم أحزانهم بحسن الإستماع لتلك الأشعار ثم الإستمتاع بها، وربما هذا يخفف وطأة الحزن على قلوب الشعراء..ولصلاح أحمد إبراهيم رائعة كانت ولاتزال وستظل هي الأصدق في وصف الحزن، وفيها لم يصف صلاح لون وشكل وطعم حزنه فحسب، بل تحداه أيضا بصدق المؤمنين..إذ يقول مخاطبا الموت : يا منايا حومي حول الحمى و إستعرضينا وإصطفي..هناك يدرك صلاح – ويستدرك – بان المنايا دائما تصطفي أعز الناس إليه وإلى الناس أيضا، ويؤمن على ذلك ويؤمن به قدرا لامفر منه..ثم يملأ صلاح قلبه بذاك الإيمان ويتحدى المنايا بلسان حال قائل هل من مزيد؟، إذ يخاطبها كفاحا : كلما إشتقت لميمون المحيا ذي البشائر..شرفي/ تجدينا مثلا في الناس سائر/ نقهر الموت، حياة ومصائر..قهر الموت هو الصبر عليه، وهذا الصبر لايلقاه إلا ذو حظ عظيم ..!!

** ولقد إمتحن العلي القدير صبرنا في ثاني أيام عيد الأضحى، وبقدره الذي نؤمن به لم نكمل فرحة العيد، حيث خطفت المنايا أكبر أحفاد أبي وأمي، و( نوارة بيت أختي)، وكثيرا ما كنت أداعب أبي وأمي به : ( أنا عارف جدو ده باكورة أحفادكم، لكن لازم يتربى كويس بدون دلع شديد)..ومع ذلك، كنت أكثرهم تعلقا بهذا الحفيد، ولذلك كان ردهما دائما ( ماف زول غيرك قاعد يدلعوا أكتر من اللازم)، وقد كان..كان حبيبا إلى نفسي وقريبا إلى قلبي، ولذلك فقدت بعض صبري ضحى ذاك اليوم، لأني فقدت من كان يبشرني بنجاحه ويذكرني بوعدي : ( خالو أنا جبت الرابع، يلا رسل لي العجلة اللى وعدتني بيها)، وفقدت من كان يشتاق إلى بين الحين والآخر : ( خالو نحن أجزنا خلاص، يلا كلم أبوي عشان يسفرني ليكم )، وفقدت من كان يتصل ليشركني في تفاصيل حياته مع والده ووالدته : ( خالو ياخ أنا عايز أحضر مسلسل و ناس أمي قافلين التلفزيون عشان امتحاناتي، كلمهم أنا بزاكر العصر )، وهكذا كان (حبيبي جدو) يلازمني طوال العام والأسبوع رغم بعد المسافة، ثم يرصد أميال المسافة حين إتحرك إليهم : ( خالو إنت وصلت وين؟، أنا لسة ما إتغديت، منتظرك )، هذا أو( خالو صحيني لو جيت لقيتني نائم )، إن كان وقت المسار ليلا.. إشتاق إلى ضحكته حين إنتهره ( ياجدو أول شئ قول السلام عليكم في التلفون، بعد ده قول طلباتك)، فيضحك ويغلق الهاتف ثم يتصل : ( خالو السلام عليكم، رسل لي كورة ومنفاخ )، ثم يضحك على مسرحيته تلك ..إشتاق إلى تفاصيل كل لحظاتي مع حبيبي جدو، وبحاجة إلى صبرك يا الله ..!!

** اعذروني أيها الأصدقاء، إني إشتاق إليه، وإني أكتب اليوم حزينا بعد إحتجاب الايام الفائتة، وأللهم لاتلمني فيما تملك ولا نملك، وما نحن إلا بشر يجتهد في كظم الحزن، وقد يفلح بفضلك وقد لايفلح ويتوسل إليك بأن تهبه من فضلك صبرا، أي لاملاذ منك إلا إليك، ولقد اعطيتنا (جدو) وفرحنا به أحد عشر ربيعا، وها أنت تأخذه قبل أن تكتمل فرحتنا به، لنحزن ولكن لانقول إلا ما يرضيك، فهذا الحبيب ليس بغال عليك وعلى قدرك..كان آخر طلبه قبل العيد باسبوع : (خالو لوجيت عيدت معانا جيب لي معاك أي حاجة)، وضحكت وطلبت منه شرح معنى (أي حاجة)، وأين يباع ؟، فضحك وختم المكالمة : ( إنت بس تعال، لغاية ما تجي بكون عرفت أنا عايز شنو)، والصغير لم يكن يدرك يومئذ بأن القدر يريده إلى دار خير من دارنا وأهل خير منا، وقد كان له ما أراد القدر..وليس لنا غير الصبر، ثم ذكراك يا ميمون المحيا..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]