الطاهر ساتي

( موقف بروتس ) ..ولكن صائب..!!.

( موقف بروتس ) ..ولكن صائب..!!.
ومن لطائف أهل السودان بالخارج، يحكى أن أحدهم ظل يعمل بدولة عربية حينا من الدهر حتى تعرضت تلك الدولة إلى غزو دولة جارة، فعاد إلى ديارنا مع العائدين وإستلم تعويضاته من الأمم المتحدة وإستقر بالبلد..ثم سمع بإجلاء الجيش الغازي بواسطة قوات الأمم المتحدة وإعادة تلك الدولة إلى أهلها وحكومتها، فأتصل بكفيله هناك مهنيئا بتحرير بلاده من الغزاة ثم طلب منه إرسال الفيزا والتذاكر ليعود إلى حيث كان، ولكن الكفيل إعتذر له قائلا : ( آسف ما برنجعك تاني، إنتو ما وقفتو معانا لمن غزونا )، وما كان من صاحبنا هذا إلا أن يغلق الهاتف بإستياء وهو يهمهم بكلمات منها : ( هو إنتو وقفتو عشان نحن نقيف معاكم ؟) ..!!

** وهكذا كان موقف السودان بجامعة الدول العربية أول البارحة، عندما واجه مأزق التصويت مع أو ضد تعليق مشاركة سوريا في جامعة الدول العربية لحين الوفاء والإلتزام بتعهداتها..موقف السودان كان منطقيا كما موقف صاحبنا ذاك، وكذلك كان تبرير الموقف – على لسان وزير الخارجية – لطيفا كما تبرير موقف صاحبنا ذاك.. إذ عاتب مندوب سوريا بالجامعة العربية وزير خارجيتنا على تصويته لصالح تعليق مشاركة سوريا في الجامعة، وذكره ببعض أفضال وجمائل الحكومة السورية للحكومة السودانية في مواقف كهذه في قضية دارفور، ولذلك ما كان عليك أن تقف مع حكومات الدول العربية ضد حكومتنا، أوهكذا جاء عتاب مندوب سوريا لعلي كرتي..فرد كرتي سريعا : ( ياخ كل الدول ضدكم، يعني بقت علينا ؟)..!!

** المهم..موقف السودان في أزمة سوريا بدأ معوجا ثم (إستعدل).. أي كان يجب أن تعلن الحكومة السودانية – منذ بداية الإنتفاضة – عن رفضها للمجازر التي يرتكبها نظام الأسد في الشعب السوري، وكان يجب أن تعلن الحكومة دعمها السياسي لحق الشعب السوري في أن ينال حريته وتحرره من (نهج الحزب الأحادي)، ولكن ظلت الحكومة هنا تلتزم الصمت تارة ، وأحيانا يصرح بعض سادتها بتصريحات ساذجة ومنها ( سوريا مستهدفة، ولا للمؤامرة على نظام الأسد )، وهؤلاء لايعلمون بأن قاموس الدبلوماسية – في مواقف كهذه – يتبرأ من ( نعم ولا)، ولذلك لم يكن مدهشا أن يسبحوا عكس التيار العربي بتلك (التصريحات الشتراء )..وتوجست ذات يوم – مع المتوجسين على حال الناس والبلد – من ذاك الموقف المريب وتلك التصريحات الساذجة، وقلت فيما قلت : يبدوا أن الحكومة السودانية لم تتعلم من موقفها في الدرس العراقي، وقد تتجرع العلقم من موقفها في الدرس السوري المرتقب..!!

** ولكن ما حدث بقاعة الجامعة العربية يكشف بأن الحكومة تعلمت من ذاك الدرس العراقي، ولذلك لم يصوت علي كرتي ضد قرار الجامعة كما اليمن ولبنان، ولم يمتنع عن التصويت كما فعل العراق، بل صوت لصالح قرار عربي قد يعيد الرشد لنظام الأسد بحيث يعترف بالآخر ويحترمه، أو يطيح به لصالح الحرية والديمقراطية..فالموقف الحكومي هذا – رغم عدم مبدئيته – موقف صائب، إذ يخدم قضية الشعب السوري ويكبل عنف ودموية نظامه، وهذا هو ( المهم).. وأي موقف حكومي صائب يخدم قضية أي شعب – سودانيا كان أو عربيا أو إفريقيا – يجب ألايستدعي الشماتة التي من شاكلة ( سريع كدا بعتوهم ؟)، أو ( ما قلتو نوبة ؟)..نعم السياسة الراشدة هي تلك التي تمارسها وتلعبها الأنظمة لصالح شعوبها واوطانها في أي موقف أو أزمة، ليس خارجيا فحسب، بل داخليا أيضا..يعني بالواضح كدة : يجب أن يصوت النهج الحاكم بالسودان ضد أخطاء ذاته، لتستوعب العقول تصويته ضد أخطاء النهج الحاكم بسوريا وغيرها، إذ ليس من العدل ولا العقل أن يصحح الراسب – في كل المواد – أوراق إمتحانات الآخرين ..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]