هنادي محمد عبد المجيد

نحن أمة لها ذاكرة وحضارة 2‏

نحن أمة لها ذاكرة وحضارة 2‏
من ألوف السنين ، ومن قبل أن يمتلك الإنسان معامل للطبيعة والكيمياء ،ومن قبل أن تتاح له فرصة التحليل المعملي للمادة ،كان مشغولا بإكتشاف سر المادة وتكوينها ، وكان يحاول أن يفض ألغازها وأسرارها بعقله المجرد بالنظر والتأمل ،بينما كان أهل الشطح من الصوفية يحاولون الوصول بالإلهام ،، وإنه لأمر عجيب ومدهش أن نعثر في مخطوطة للصوفي المسلم جلال الدين الرومي منذ حوالي الألف سنة عبارة يقول فيها: ” لو فلقت الذرة لوجدت في داخلها نظاما شمسيا” ، ونجد نفس العبارة لفريد الدين العطار من تسعمائة سنة:”الذرة فيها الشمس ،وإن شققت ذرة وجدت فيها عالما ، وكل ذرات العالم في عمل لا تعطيل فيه” ،كذلك نجد رهبان البوذية يرددون في تعاليمهم منذ أربعة آلاف سنة أن المادة تنقسم لأصغر جزء فيها ،، وذلك الجزء الأصغر هو وحدة قائمة بذاتها ،وتحتوي تلك الوحدة على نظام من (الداهرمات) يتراوح عددها من ٨ – ١٢ داهرما ،،وهذه الداهرمات تولد لتفنى سريعا ويبقى تأثير الواحد لفترة قصيرة يعقبه غيره ،، وهذه الأقوال العجيبة تطابق أحدث ما كشفه العلماء الآن عن المادة وعن الذرة بإستخدام أحدث المختبرات وأعقد وسائل البحث والإستقراء ،، كيف وصل هؤلاء الناس بإلهامهم إلى قلب الحقيقة هكذا دفعة واحدة ،وبدون مقدمات ،وبدون وسائل ،وبدون مختبرات ،، بل إننا نرى القرآن يشير إلى الذرة من ألف وأربعمائة سنة على أن لها مثقالا ،ويقرر أن هناك ماهو أصغر من الذرة ،مؤكدا بذلك أنها كتلة قابلة للقسمة:[ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقاَلَ ذَرَّة فِي الَأرْضِ وَلاَ فِي السَّماَءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكبَْرَ إلَّا فِي كتِابٍ مُبِينْ] يونس ٦١ ،وفي سورة سبأ تتكرر الإشارة بنفس الكلمات:[لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواَتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكبَرَ إلِا َّفِي كِتَابٍ مُبيِن] سبأ٣ ، وقديما قال فلاسفة المعتزلة المسلمون أن المادة تتجزأ حتى تصير إلى جزء لا يقبل التجزئة أو القسمة وهو ما أسموه (بالجوهرة الفرد) أو الذرة في قاموسنا ،،وافقوا في ذلك ما ذهب إليه فلاسفة الإغريق،، وأنكر فلاسفة مسلمون هذا المذهب ،فقال إبراهيم النظام:” لا جزء إلا وله جزء ،ولا بعض إلا وله بعض ،ولا نصف إلا وله نصف ،وإن الجزء يجوز تجزئته أبدا” كما أنكر الفارابي وابن الهيثم وابن سيناء والكندي هذا المذهب وقالوا إن الجوهر الفرد أو الذرة تقبل التجزئة لما هو أصغر منها،، والذرة في العلم الحديث بناء ونظام أشبه بالنظام الشمسي في أنها تتألف من نواة كبيرة نسبيا يدور حولها إلكترونات بالغة الصغر في أفلاك متعددة ،وبين الإثنين فضاء وخلاء هائل ،،ويستحيل تقدير مكان الإلكترون في لحظة معينة إلا على وجه الإحتمال ،،وهو من فرط سرعته أشبه بسحابة تغلف النواة ،، والإلكترون سالب الشحنة ،وهو يستطيع أن يقفز من مداره إلى مدار داخلي أقرب إلى النواة أو إلى مدار خارجي مبتعدا عنها ،وهو بهذه الحركات يأخذ أو يعطي شحنة كهرومغناطيسية مقدارها فوتون واحد،، وتتوقف شحنة الفوتون على المدار،، والفوتون هو الوحدة العلمية لطاقة الضوء،، ويستطيع الإلكترون أن يقفز سبع قفزات عبر سبعة أفلاك عبر سبعة مستويات من الطاقة ،أو سبعة سماوات خارجا من الذرة ،وهو في أثناء ذلك يعطي السبعة فوتونات التي تؤلف الضوء الشمسي،، والنواة موجبة الشحنة،، والذرة بجمعها بين النواة الموجبة والإلكترونات السالبة الشحنة ،،تعتبر متعادلة،، ولكن إذا انطلق الإلكترون هاربا من ذرته فإن شحنة الذرة الموجبة ترجع وتتحول بذلك إلى أيون موجب،، والحرارة الشديدة في باطن الشمس تستطيع أن تقشر الإلكترونات عن ذراتها فتحولها إلى أيونات موجبة ،وتستطيع أكثر من ذلك أن تفك النواة إلى محتوياتها ،وبذلك تنفرط الذرات إلى بلازما أولية ،، والأيدروجين يتحول في باطن الشمس بهذه الطريقة إلى بلازما أولية، ثم يعاد توليف وتركيب هذه البلازما بالحرارة أيضا إلى ذرات جديدة ثقيلة من الهيليوم مع إطلاق طاقة تناظر ملايين وبلايين القنابل الأيدروجينية ،، وهذه الطاقة هي التي تأتينا من الشمس على شكل ضوء وحرارة وإشعاعات متنوعة ،منها الضار والقاتل ( مثل الأشعة فوق البنفسجية والأشعة الكونية وأشعة إكس)والأشعة فوق البنفسجية والأشعة الكونية القادمة إلينا من الشمس حينما تصل إلى الطبقات العليا من الجو، تضرب ذرات الأكسجين وتقشر إلكتروناتها العليا وتحولها إلى طبقة الأيونوسفير المكهربة ،، وهذه الطبقة المكهربة تمتص بذلك هذه الأشعة القاتلة وتحمينا منها مثل سقف أو قبة أو مظلة مضروبة فوقنا لحمايتنا ،،وفي ذلك يقول القرآن في كلماته الملهمة:[ وَجَعَلْنا السَّمَاءَ سَقفْاً مَحْفُوظاً]الأنياء٣٢،، والأرض تقذف بإستمرار وفي كل لحظة بسيالات وزوابع وسحب من الإلكترونات، والإشعاعات وفتافيت الذرات قادمة من الشمس ،وتتوزع هذه المخلفات الذرية حول الأرض حسب خطوط
المجال المغناطيسي، وتتجمع في أنوار ملونة فسفورية عند القطبين ،،، وهذه القذائف هي التي تتحكم في الطقس والمناخ ،وهي التي تسبب الأعاصير والرياح ،كما أنها إذا زادت (أثناء فترات الكلف الشمسي) تسبب ازدياد حالات الجنون والإنتحار وتعجل بالثورات والحروب بتأثيرها في الناس ،، وحديثا كشف العلم أن نواة الذرة تتألف من محتويات هي الأخرى وأنها قابلة للقسمة ،، وحدد العلماء ما بين ٨- ١٢جسيما داخلة في تكوين النواة ،،منها البروتون الموجب الشحنة والنيترون المتعادل والهيبيورون والميزون والنيوترينو والأنتي نيوترينو والبوزيترون،، وغيرها وغيرها،، هذه الجسيمات عمرها قصير جدا،، وهي تولد وتفنى وتتحول الواحد إلى الآخر بإستمرار كما قال رهبان البوذية ،كما أن لها طبيعة مزدوجة،فهي تتصرف كجسيمات ،كما أنها تتصرف كموجات ،ويبدو أنها هي الحالة الوسطى بين المادة والطاقة ،، والكوارث التي نزلت بقوم عاد وثمود والتي فصلها القرآن يمكن أن تكون كوارث من نوع الإنفجارات الذرية ،، فهي تبدأ معظمها بصيحة:[ إِناَّ أَرْسَلنْا عَليَهْمِ ْصَيْحَةً واَحِدَة ًفَكاَنُوا كَهَشيِمِ المُحْتَضِرْ] القمر٣١ ،، [فدَمْدَمَ عَلَيهِْم ْرَبُّهُمْ بِذَنبَِهْمْ فَسَوَّاهاَ] الشمس١٤ ،، هذه الدمدمة أو الصيحة الحادة التي تشبه ما نطلق عليه بالموجة فوق الصوتية ،وهي إذا كانت عالية جدا جدا فإنها يمكن أن تحطم المادة وتفقل الذرة فتحدث انفجارا ذريا فوريا،، وتفاصيل هذه الكوارث كما وصفها القرآن تشبه ما حدث في هيروشيما وناجازاكي ،،فهناك زلزال يجعل عالي الأرض سافلها ،، وهناك حرارة شديدة وإعصار مدمر، وهناك ضوء يعمي الأبصار والموت يأخذ الناس أخذ الصاعقة [ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَة العَذاَبِ الهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونْ] فصلت١٧ [ فَأَخَذتَْهُمْ الصَّاعِقَة ُوَهُمْ يَنْظُرُون] الذاريات٤٤ ،، والأرض التي تقلب وترفع وتدك تعود فتنزل رجوما وحاصبا على رؤوس الناس كالمطر ،،[ فلََمَّا جَاءَ أَمْرُناَ جَعَلْنَا عَاليِهَا سَافِلَهاَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهاَ حِجِارَةً مِنْ سِجِّيلْ مَنْضُودٍ]هود٨٢ [ وَأَمْطَرْناَ عَليَهِْم ْمَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ المُنْذِريِن]الشعراء١٧٣ ولم تكن هناك طريقة لنجاة لوط من مصير قومه إلا أن يرحل مبتعدا مسيرة نصف يوم ،مما يدل على أن الكارثة هي كارثة طبيعية لا نجاة منها بكرامة أو معجزة ،وإنما لا بد لمن يريد النجاة أن يهرول مبتعدا ،، وجعل الله لهرب لوط ميقاتا هو الخروج بالليل ،وجعل للكارثة وقتا معلوما هو الصبح ،حتى يكون لوط قد قطع مسافة أمان كافية للخروج من قطر الزلزال،، وعلى الهاربين ألا ينظروا خلفهم ،، لأن وهج الإنفجار سوف يعمي بصر من ينظر إليه كما تقول بذلك سورة هود،، ونقرأ نفس الكلام في سورة الحجر[ فَأَسْرِ بأَِهلِْكَ بِقِطْعٍ مِنْ الَّليَْلِ وَاتبَِّعْ أَدْباَرَهُم ْوَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُْمْ أَحَدْ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُون] الحجر٦٥
وأكثر من ذلك ، دلت التفاعلات والمخلفات البللورية التي وجدت في تربة هيروشيما على أن هذه التربة قد تحولت بعد ضربها بالقنبلة الذرية إلى بقايا أشبه بما كان في سدوم وعمورة،بين الأردن وفلسطين حيث عاش قوم لوط ،، والحمدلله

هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]