رأي ومقالات

مؤلف كتاب أصل وتاريخ شعب الزغاوة : حركة العدل والمساواة فصيل د. جبريل إبراهيم تفتح لنفسها أبواب جهنّم


إن إقدام حركة العدل والمساواة فصيل د. جبريل إبراهيم محمد بالاعتداء الغادر على الموكب الأعزل لرئيس حركة العدل والمساواة الجناح المنشق عنها السيد محمد بشر أحمد صبيحة يوم الأحد الموافق (12/5/2013) بمنطقة بامينا في الجزء التشادي من الحدود، والذي ترتب على إثره استشهاده ونائبه القائد أركو سليمان ضحية ونفر غير قليل من أعوانهما، وكذلك أسر بقية أعضاء الموكب الذين يناهز عددهم (35) شخصًا من قيادات الحركة. إن تجرؤ قيادة فصيل جبريل بإصدار تعليماتها للقيادة العسكرية للإقدام بمثل هذا الهجوم الغادر وارتكاب هذه الجريمة البشعة لا يمكن إدراجها إلا فى إطار حلقة جديدة من سلسلة الجرائم الشنيعة التي دأبت هذه الحركة على ارتكابها من وقت لآخر منذ تأسيسها قبل نحو عشر سنوات، بدءًا بتصفية عمر عيسى محمد رابح القائد العام المؤسس لحركة العدل والمساواة، ومروراً باغتيال القائد عبدالكريم أبكر أنو(هبيلة)، وكذلك اغتيال مولانا عبد الله دومى حسب الله، ومجزرة أبناء الميدوب التي ظلت وستظل جريمة إبادة جماعية تلاحق بعض القيادات النافذة في هذه الحركة من قِبل ذوي الضحايا من شعب الميدوب الباسل والمجتمع الدولي بكافة مؤسساته وهيئاته على حد سواء. ثم الغدر ببعض أبناء المسيرية جبل (جبل مون) والإرينقا (القائد الشهيد دودة)، وإعدام القائد مالك تيراب قائد استخبارات الحركة الأسبق الذي دفن حياً وهو مقيد اليدين والرجلين ظلماً وغدراً، ثم اغتيال المقدم الشهيد المغدور به عز الدين يوسف بجي الذي قتلوه مرتين بتصفيته جسدياً بإزهاق روحه الطاهرة غدرًا ثم قتله معنوياً بتلفيق تُهم مغرضة وترويج شائعات باطلة ضده لتلويث شرفه وتشويه سمعته وتاريخه الناصع الذي شهد به الأعداء قبل الأصدقاء، وانتهاءً بهذه الجريمة البشعة التي تجاوز القتلى فيها عشرة من العزل الذين كان من الممكن توقيفهم من دون إطلاق رصاصة واحدة، وهو سلوك إجرامي مقيت لا يمت أدنى صلة بأخلاقيات الثورة التي يتدثرون ردائها ويتشدقون بمبادئها وأطروحاتها. علاوة على تلك الجرائم الاجتماعية ـ وهي الأسوأ ـ التي ارتكبتها قيادة هذه الحركة في معسكرات اللاجئين بشرقي تشاد وعلى وجه الخصوص معسكر أبونبق (دقوبا)، ذلك بإثارة الفتن وزرع الفرقة والشقاق بتفريق أبناء المنطقة الواحدة بل العشيرة الواحدة الذين ظلوا يعيشون عبر التاريخ بأبدع صور التضامن والتآخي والتآلف، عملت قيادة هذه الحركة على تفريقهم وتجزئتهم إلى جماعات وزُمر متكتلة ومتنافرة ومتصارعة ضد بعضها البعض، وإصدارها (مرسوم الفتنة) بتاريخ (22/4/2008) والمتعلقة بالإدعاء عبثاً في عزل بعض رجالات الإدارة الأهلية التاريخيين في المنطقة (سلاطين وشراتي وعمد ومشايخ)، وتعيين آخرين بدلاً منهم، متجاهلة الأعراف والتقاليد المتبعة التي توارثها الناس أباً عن جد وكابراً عن كابر، وما تبع ذلك من تصنيف الناس بالمعسكر إلى ثنائية مضحكة بمعيار القرب والبعد من رضاء ومباركة رأس الحركة، إلى موالين ومعارضين لها، وإلى ثوار وعملاء، وكفار ومسلمين!! ومغضوبٌ عليهم ومرضي عنهم، على قاعدة فرق تسد، مما تسببت في هتك النسيج الاجتماعي بصورة لا يستطيع أحد التكهن بنتائجها ومترتباتها في المستقبل.
وتأسيساً على ما ذُكر فإنه ليس من نافلة القول أن أشير بأن ما شجعت قيادة هذه الحركة المارقة على تقاليد أهل دارفور وأخلاقياته السمحة، في السير على هذا النهج والاستغراق حتى النخاع في دماء الأبرياء العزل من أبناء شعبنا منذ عشر سنوات، من دون خجلٍ أو وجل، هو بسبب السكوت والركون إلى الاستسلام والصمت المطبق كصمت أهل القبور الذي ظل يبديه ذو الضحايا خاصة والقيادات من أبناء المنطقة عامة، في كل مرة حيال الجرائم والمجازر التي دأبت هذه الحركة على ارتكابها بشكل رتيب.
ولكن اليوم وبعد أن طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، أرى بأن الواجب والضرورة تحتمان على جميع المتضررين من جرائم هذه الحركة من مختلف القبائل والإثنيات والمناطق وكذلك الحركات الثورية المسلحة الحقيقية التي تتبنى قضية أهل دارفور العادلة بكافة فصائلها ومسمياتها أن تقف وقفة رجل واحد لإدانة هذه الفئة المتثورة بالمعنى البقري ـ أينما كانت وفي كافة الصعد، بالتبرؤ منها ومحاصرتها وعزلها وبترها من جسم الثورة، ومحاسبة بعض قادتها عما ارتكبوا من جرائم، ومن ثم التفرغ بعد ذلك نحو الهدف الأسمى، وهو مواجهة الظلم والتهميش.
لأن المستهدف في هذه الجريمة البشعة ليس محمد بشر أحمد وأركو سليمان ضحية ومن معهما من الضحايا المغدور بهم بشخوصهم، إنما المستهدف بالدرجة الأولى إنسان دارفور أينما كان بقصد ترهيبه وترويعه ومن ثم تركيعه لأجندة هذه الحركة التي دلت كل المؤشرات وقرائن الأحوال على أنها بعيدة كل البعد عن هموم وقضايا وأشواق أهل دارفور، بل هي أي حركة العدل والمساواة ـ الداء المتأصل والعقبة الكأداء في طريق وحدة حركات دارفور وتضامنها في كل مرة وبكل المنابر السابقة (إنجمينا وأبوجا وسرت وطرابلس وقطر وجوبا وكمبالا) بسبب خطابها السياسي الصدامي الإقصائي المنفِّر للآخرين، وشعاراتها الجوفاء الكاذبة وإدعاءاتها الزائفة القائلة: بأنها الحركة الكبرى والأشجع في إفريقيا بل العالم كافة!!، وأن غيرها من الحركات الدارفورية والقول لقيادة هذه الحركة ـ هي حركات (كرتونية)!! أو إلكترونية زائفة، إلى غير ذلك من الأوهام والهرطقات التي لاتمت إلى الحقيقة بصلة.
وهنا أحسب أني لا أغالي إن قلت، أن الكوارث والأضرار السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي جلبتها هذه الحركة لإنسان دارفورعامة و(للمنطقة) على وجه الخصوص، ليس أقل من الكوارث والأضرار التي سببها نظام الإنقاذ بأي حال من الأحوال، فالأخطاء والجرائم التي يرقى في توصيفها إلى درجة الكبائر والتي ارتكبتها قيادة هذه الحركة ضد الحركات الثورية وضد شعبنا الأعزل في دارفور لاتقل بشاعة وجرماً في نوعها ومقدارها عن تلك الجرائم التي ارتكبتها مليشيات نظام الإنقاذ في أجزاء دارفور المختلفة.
وبعبارة أكثر دقة وتحديداً، إن المؤامرات والحروب البينية التي افتعلتها قوات هذا الفصيل ضد الحركات المسلحة الأخرى في أجزاء دارفور المختلفة بتوجيه وتدبير من قيادتها السياسية أكثر من تلك المعارك التي خاضتها ضد قوات نظام الإنقاذ، وأن هؤلاء الضحايا من أهل (المنطقة) خاصة ودارفور عامة الذين لقوا حتفهم برصاص أسلحة هذه الحركة ليس أقل عدداً من ضحايا النظام، بل والطرق البشعة التي انتهجتها في تصفية خصومها العزل ليست أقل وحشية وبشاعة من طريقة مليشيات نظام الإنقاذ في كثير من الأحيان.
علاوة على أن الأجندة السرية والأهداف المبطنة التي تتبناها (بعض) قيادات هذه الحركة لا يمكن إدراجها بأي حال من الأحوال ضمن طموحات ومطالب وأشواق أهل دارفور الذين يتوقون للانعتاق والتحرر من الظلم والتهميش بجميع صوره وأشكاله ومن ثم العيش في سلام ووئام وتآلف مع كافة مكونات الشعب السوداني الواحد المتحد في الشرق والغرب والشمال والجنوب الجديد.
وهنا لكي لايعتقد القارئ بأننا نغوص في التعميم المطلق، استثنِى مما ذكرت قلة من الشرفاء الأماجد من قيادات هذه الحركة وهم يعدون بأصابع اليد الواحدة ـ الذين نجلهم ونقدرهم، ونكِنّ لهم كل التقدير والاحترام، والذين كانوا وما زالوا بعيدين عن أوزار وجرائم هذه الحركة بل ربما هم أنفسهم ضمن الضحايا في كثير من الأمور، أدعو هؤلاء وهي دعوة حقِ، ومعي كثيرون من إخوتهم وأبناء عشيرتهم، أن ينتهزوا هذه الفرصة ـ وهي الأخيرة ـ ليتخذوا مواقف تاريخية وقرارات شجاعة بالإنحياز إلى جانب أهلهم وشعبهم في دارفور والسودان عامة بالتبرؤ من جرائم هذه الحركة ونفض أيديهم منها، وخاصة بعد هذه الجريمة النكراء التي صدمت أهل دارفور وهزت مشاعر الشعب السوداني قاطبة بل المجتمع الدولي بأسره، وإلا فإن التاريخ لن يغفر لهم.
فصفوة الحديث أن ما أشرنا إليه هي الوسيلة المثلى، بل خارطة الطريق لأبناء (المنطقة) بل كافة أهل دارفور للخروج من النفق المظلم الذي أوقعتهم فيه هذه الحركة، وإلا سيظل الجميع يدور حول حلقة مفرغة ويظل شعبنا المغلوب يعيش في الخوف والفرقة والشتات والضياع اللا نهائي وهو يتقلب بين نارين، بل بين مطرقة نظام الإنقاذ في الخرطوم وسندان حركة العدل والمساواة فصيل د. جبريل إبراهيم في دارفور، إلى مدى لا يستطيع أحد التكهن بمنتهاه. فكلما تتهيأ الظروف وترتفع الأصوات المنادية بوحدة أهل دارفور بتجاوز المرارات القديمة والتسامي فوق الصغائر تأتي هذه الفئة المعزولة بجريمة جديدة أكثر بشاعة ودموية عن سابقاتها، متسببة في إثارة كوامن النعرات وهتك النسيج الاجتماعي، ومن ثم يتفرق أهل دارفور مجدداً أيدي سبأ، وتتراجع مسيرة التضامن والوحدة القهقرى إلى الوراء، إلى المربع الأول، إلى نقطة الصفر.
ألا إني قد بلّغت اللهم فأشهد، ألا إني قد بلّغت اللهم فأشهد، فهل من مجيب؟؟

أ/ نورين مناوي برشم
مؤلف كتاب جديد (أصل وتاريخ شعب الزغاوة)
صحيفة الانتباهة