الطاهر ساتي

(سلم، تسلم ).. يستسلم ..!!


(سلم، تسلم ).. يستسلم ..!!
ومن لطائف الإنقياد الأعمى ما يحكى عن عم عبد الجليل الذي كان محبا للسيد محمد عثمان الميرغني، وتكبد ذات يوم مشاق الرحلة إلى مكان بعيد عن قريته النوبية ليحضر إحدى ندواته..ثم عاد إلى القرية مرهقا ومنتشيا، ليبشر أهله بموضوع الندوة بأسلوب مثير من شاكلة : ( هيع، على الطلاق مولانا ده بيستاهل إنو يكون زعيم..حرم الزعامة كدة ولا بلاش..غايتو الما حضر ندوة أمبارح نص عمرو راح .. يمين بالله الناس دي قاعدة قدامو ساعة تقول بالاهم مطرة ..)، وهكذا حتى تلهف الكل لمعرفة محتوى ندوة الميرغني، فسأله أحدهم متشوقا : ( ده الكلام والله، بالله سيدي قال شنو ؟)، وهنا لم يجد عم عبد الجليل من الرد غير أن يزجره : ( يا زول ها، إنت مغفل ولاشنو؟، لو كلام مولانا بيتفهم كان بقى سيدي وسيدك ؟) ..!!

** وهكذا تقريبا أي موقف يتخذه مولانا الميرغني في سوح السياسة، مثل كلامه في تلك الندوة وغيرها ، (ما بيتفهم)..ولاننسى خطابه الشهير، قبل العيد بأسابيع، إذ خاطب جماهير الحزب حول المشاركة قائلا بالنص 🙁 أنا أعلم لماذا جئتم الى هنا، وأنتم تعرفون الموقف تماما، وليس هناك شئ يضاف الى علمكم و فهمكم )، فخرجت الجماهير بذات حال عم عبد الجليل (بلا فهم)..وربما لذلك يتبعه الحزب – بكل أجهزته وقيادته وقاعدته – في إتخاذ ذات الموقف بدون نقاش، أي حبا وتبركا فقط لاغيرهما..ولذلك لم تصدق الصحف مواقف علي نايل وبعض الكوادر التي لوحت بالإستقالة في حال مشاركة حزبهم في السلطة، إذ مواقفهم تلك كانت مجرد (زعلة) وليست بمبدئية ولاإستراتيجية، بدليل أن علي نايل كان أول المؤكدين- فجر اليوم التالي للزعلة – بأنه لم ولن يغادر الحزب لأنه إتحادي بالفطرة، أو كما قال لصحف البارحة، وبالتأكيد فطرته في الحياة – أو فلنقل فطرتهم سليمة حسب فهمهم لمعنى الفطرة السليمة، وليس مهما أن يبلعوا مواقفهم وقناعاتهم ومبادئهم لكي لايطردهم مولانا من رحمة حزبه..نعم حزبه، وليس حزبهم..!!

** أقول قولي ذاك مع قناعة مفادها بان الأحزاب الطائفية – كما المراكب – بحيث لايمكن إصلاحها إلا من الداخل، ولذلك يجب أن تتعلق الآمال في شباب الإتحادي وطلابه، وليس في جيل الميرغني وعلي نايل وبقية التجار..نعم شباب وطلاب الإتحادي ينشدون التغييرعلى مستوى الدولة، ولكن عليهم أن يعلموا ويتعلموا – من وحي تجربة المشاركة هذه – بأن التغيير لايتجزأ، ومايحدث على مستوى الدولة هو إنعكاس طبيعي لما يحدث في جوف الأحزاب، وحزبهم نموذجا..ولن يستقيم النظام،أي نظام، ونهج الحزب أعوج ..!!

** المهم، أي مواقف الذين يتوعدون بالإستقالة في الضحى ثم يتراجعون عن تهديهم قبيل العصر ليس بمهمة ..مواقف مولانا التي تحير الإنس والجان هي المهمة، وهي التي تستدعى إطلاق تساؤل من شاكلة ( من الذي تغير – أو ما الذي تغير- بحيث يطوي حزب مولانا صفحة المعارضة ويفتح صفحة الشراكة؟)..فالعرض الحالي – كم وزارة إتحادية وشوية وزارات ولائية وكمتاشر معتمد برئاسة الولاية – كان متاحا لمن يشاء منذ نيفاشا ، وكذلك كان مباحا لمن يشاء منذ عشرين سنة، فما الذي حدث بحيث صار هذا العرض مغريا وجاذبا لحزب مولانا بعد عقدين من الإزعاج السياسي المسمى آنذاك (سلم تسلم ).؟..يعني بالبلدي كدة : هل كان المقصد بذاك الشعار العميق أن تسلمهم الحكومة وزارة التجارة الخارجية مثلا؟.. ربما.. !!

** وعليه، يخطئ المؤتمر الوطني لو حدثته نفسه بأن مشاركة حزب مولانا هي الحل الناجع لكل أزمات البلاد..مولانا لم يكن معارضا بالفهم العميق لمعنى المعارضة، بل كان – بمواقفه الباردة والمجوبكة- وزير خارجية غير معلن بحكومة المؤتمر الوطني، ولذلك لن تخسره المعارضة وليس بمكسب للحكومة.. كان ولايزال وسيظل كل همه في الحياة العامة ألا يخسر أفدنة زراعية بمروي أو طاحونة بسواكن أو جنينة بشارع النيل أو عقار بالخرطوم بحري، تلك هي غايات مولانا في الحياة، وما ضره – بعد المحافظة على تلك الغايات – أن يخسر الوطن ديمقراطيته والشعب حريته..ولذلك، يجب ألا ينام المؤتمر الوطني على عسل هذه الشراكة المدفوعة القيمة وزارة ومستشارية وليست عدالة وحرية، ويجب على سادة الحزب الحاكم ألا تحدثهم أنفسهم بحديث من شاكلة ( حزب مولانا، أما الآخرين فإلى الجحيم )..بل يجب أن يزن المؤتمر الوطني تأثير حزب مولانا – في سوح السياسة حاليا – بذات الميزان الذي يزن به تأثير (حزب الخضر والفاكهة)..نعم ليس هناك حزبا يحمل ذاك الإسم في دفاتر مسجل الأحزاب، ولذلك على الحزب الحاكم ألا يعول على مشاركة الإتحادي في حل الأزمات الراهنة.. فالشعب – وليس تجار السياسة – يريد تغييرا جوهريا يبسط السلام والديمقراطية والعدالة والحريات والتنمية في بلاده ..أما هذه الشراكة – في حال رهانكم عليها – لن تزدكم إلا خبالا..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]