تحقيقات وتقارير

الإعلام والإنتخابات.. السير فوق الثلج

[ALIGN=JUSTIFY]تشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من بليون شخص في العالم يُدلون بأصواتهم في انتخابات ديمقراطية تنافسية. فبعد موجات التحول الديمقراطي التي شهدها العالم في العقدين الأخيرين من القرن العشرين تجرى معظم دول العالم انتخابات من نوع ما، بيد أن نحو نصف دول العالم فقط تشهد انتخابات توصف بأنها ديمقراطية وتنافسية، أما بقية الانتخابات فلا توصف بذلك.
وقد سعى المعهد الدولي للديمقراطية والانتخابات وشركاؤه لرفع قدرات الأحزاب السياسية فى السودان لخوض الانتخابات القادمة. عبر سلسلة من الورش التدريبية كان آخرها في فندق السلام روتانا تطرق لموضوع الاعلام والانتخابات.
وتكمن اهمية الورشة الأخيرة فى ان المهتمين بقضايا الديمقراطية والانتخابات الحرة النزيهة وضعوا ضوابط لها، مؤكدين على ضرورة أن يسبق إجراء تلك الانتخابات مجموعة من الحريات والحقوق الديمقراطية على رأسها حرية التعبير.
واشار الخبير الناميبي جورام ريكمبا (مدير برنامج أفريقيا بالمعهد الدولى للديمقراطية والانتخابات) وهو يستعرض بالورشة بعض التجارب الانتخابية فى دول ما بعد النزاعات، الى عدة عوامل تعظم دور الاعلام ابرزها دوره فى بناء الديمقراطية من اجل انتخابات نزيهة، وقال إن الانتخابات الحرة والنزيهة هي قمة الديمقراطية وليس بدايتها. واضاف جورام ايضا ان هناك علاقة وثيقة بين الاعلام والديمقراطية، وذكر ان الديمقراطية تجعل الاعلام حراً، وفى ذات الوقت فالاعلام يفعّل الديمقراطية ويعزز قيم الحكم الراشد. وينبه الرجل الى ان عصر العولمة وانتهاء حاجز الزمان والمكان بجانب القفزات التكنولوجية الكبيرة عززت فى مجملها قدرات الاعلام.
ويحذر جورام فى ذات الوقت من ان الاعلام غير المسؤول قد يكون سببا فى الحجر على حرية الاعلام عموما، ويستدل بنموذج من رواندا فى التسعينات، حيث كرست بعض الاذاعات للعنف وقتل الآخر. ويزيد جورام ايضا ان الاعلام غير المسؤول يعطى السلطة مسوغا للحجر على حرية التعبير.
و اشار جورام فى اطار الاستخدام الفعال لوسائل الاتصال بالحملات الانتخابية الى ان الوسائط المطبوعة كانت هى الرائدة فى هذا المجال، غير ان الاعلام الالكتروني أتى لاحقاً وكان اكثر فعالية خاصة فى دول العالم الثالث. واخيرا ظهر الانترنت والموبايل، الا ان ضعف البنية التحتية فى بعض المناطق يقوض فعاليته.
واكد جورام على ان الاعلام هو مجال فعال لتسويق الاحزاب والمرشحين، ونبه الى ضرورة الا يلعب دور الاثارة، ويلتزم جانب الحيدة والمهنية ويوازن بين الحرية والمسؤولية. وطالب جورام فى ذات الوقت بعدم استخدام وسائل الاعلام العامة لتمرير الايدولوجيا والمصالح الخاصة، وفى السياق دعا الاعلام الحزبى لان يكون مسؤولا ويلتزم بالمهنية. ويشير الى انه يتسم بمحدودية الفعالية.
وتكمن اهمية الإعلام فى الانتخابات حسب الناشطين السياسيين فى لعبه لادوار بالغة الخطورة من شأنها تغير اتجاهات الناخبين، ويقول جورام عن ذلك ان وسائل الاتصال تعكس وتقيم اداء الحكومة والأحزاب، وهنا لا بد للحكومة من الانفتاح على وسائل الإعلام وتوفير المعلومات والبيانات فى اطار قانونى. بجانب هذا تلعب وسائط الاتصال دوراً كبيراً فى تثقيف الناخبين بحقوقهم الانتخابية. علاوة على تمحيص ونقد وتحليل العملية الانتخابية بأكملها عبر عمليات استطلاعات الرأى، والتفاعل مع الجمهور وشكاويه. ويضيف جورام الى كل ذلك وظيفة المنبر الذى تتداخل فيه رسائل الأحزاب والمرشحين بشكل حر ونزيه، يتم فيه توزيع الفرص بعدالة ومساواة – خاصة فى الإعلام العام-. وهنا لابد من الالتفات الى ان وسائط الإعلام تحدد للاحزاب والجماهير أولويات وتراتبية القضايا. واشار مسجل الاحزاب السياسية محمد احمد سالم الى ان توزيع الفرص فى اجهزة الاعلام العامة ليس بها مشكل بنص القانون، ويستطرد سالم قائلاً: المشكل فى اجهزة الاعلام الخاصة. الا ان ناجى دهب مدير عام صحيفة (رأي الشعب) والقيادي بالمؤتمر الشعبي نبه الى ان عنصر الملكية هو اهم جزئية في مجال حرية الاعلام، ورأى ان قرابة الـ(80%) من اجهزة الاعلام محسوبة على الحزب الحاكم، اما البقية فإن نظرة الربح المادي يحركها خاصة إغراءات الاعلانات على حد قوله.
وقال د. سومادودا الخبير الجنوب افريقي ان الاقتصاد السياسي هو اللاعب المركزي في مجال التحكم فى الوسائط الاعلامية، غير انه ينبه الى تفاعل المجتمع الدولى واجهزته الاعلامية في ظل واقع لا يعترف بالحدود. واضاف ان المعرفة قوة والمعلومة هي اساس المعرفة. وينبه في ذات الوقت إلى ضرورة الا تترك الرقابة للحكومة، بل لابد من اشراك المجتمع المدنى والمختصين. ودعا د. سومادودا القيادات الحزبية لبناء صداقات مع مختلف اجهزة الاعلام منذ وقت باكر، لخلق رأسمال جيد.
ولفت جورام الى ان ثمة مسؤولية أخلاقية تقع على عاتق وسائل الإعلام، تتمحور حول نزاهتها ومصداقيتها، وموضوعيتها. من خلال تغطية إعلامية متوازنة، بجانب النأي عن الأساليب الفاسدة، فى ظل أوضاع اقتصادية سيئة تجعل الاعلاميين عرضة للابتزاز والرشوة. وقال جورام إن بعض الاعلاميين يتجرأون على القول (كي انشر قصتك لم لا تمسح يدي بالدهن)!!.
واشترط مراقبون لقيام انتخابات نزيهة وبأجهزة اعلامية حرة تعديل القوانين ومواءمتها مع الدستور خاصة قانون الصحافة والمطبوعات وقانون الامن الوطني.
واشار د. احمد ابوسن مدير (شركاء التنمية) الى ان اهم عنصرين لنجاح أية استراتيجية اعلامية الابداع واستخدام التكنولوجيا بشكل فعال. واضاف د. ابوسن ان الاحزاب السياسية لا تجيد فن استغلال الامكانات المتوفرة. وشدد ايضا على ضرورة خروج رسائل الاحزاب الاعلامية من دوامة العلاقات العامة (اخبار قائد او زعيم الحزب فقط) والاتجاه للتركيز على الافكار والبرامج.
واكد د. سومادودا على ضرورة تعزيز الثقة في الذات، وتمكين الارادة والالتفات الى ان التكنولوجيا لا تحدها حدود. وان مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.
وفي كل الاحوال يمكن القول إن علاقة الاعلام والانتخابات اشبه بالسير فوق بحيرة، تكسوها ألواح رقيقة من الثلج. يتطلب السير فيها الحذر والدقة بحيث لا ينهار الثلج اسفل قدميك، ولا تتيبسان بفعل الصقيع.
محمد عبد العزيز :الراي العام [/ALIGN]