السينما والتلوث الأخلاقي
عندما بدأ عرض فيلم هاري بوتر في دولة قطر، طفت ببيوت أقاربي، واتصلت بأصدقائي حاثا إياهم على اصطحاب عيالهم لمشاهدة الفيلم، الذي حلق بي عاليا في دنيا الخيال الطفولي، وبكل فخر فقد قرأت مجلدات هاري بوتر كلها فور صدورها، رغم أن مؤلفتها كتبتها للأطفال، ولكن بما أن لأهلي «متأخرات وفروقات» مستحقة لي عن فترة طفولتي حيث لم يزودوني ببلاي ستيشن او بلاك بيري او حتى أفلام توم آند جيري، فإنني لم أقصر في حق نفسي وتعويضها عن كل ما حرمت منه في الطفولة فشاركت عيالي في اكل السيريلاك ولعبت معهم على المراجيح بل ظللت أوفر المال طوال عشر سنوات حتى جمعت ما يكفيني لزيارة مدينة ديزني وشبعت فيها لعبا طوال عشرة أيام (يعني مدخرات سنة كاملة بيوم واحد في ديزني.. يا مفتري) وكلما شاهدت فيلما أمريكيا تحصنت اكثر ضد الأفلام العربية، واكتسبت مناعة اكثر ضدها، وفي تقديري فإن مفاسد السينما العربية اكثر من مفاسد السينما الأمريكية، وعلى الأقل فانك اذا رأيت مفسدة في فيلم أمريكي تستطيع ان تقول اذا كان عودك الأخلاقي قويا: لست منهم وليسوا مني، أما في الفيلم العربي الذي يفترض انه يعكس جوانب من حياتك وحياة قومك، فلا عاصم لك سوى الهجر، أي أن تفلت بعقلك من ملوثاته وتهجر الفيلم العربي بغير معروف!! هل تابعت العبارات التي تتردد في أفلام الجريمة العربية عندما يقول لص لزميله وهم يخططون لسرقة منزل او قتل ثري لسرقة أمواله: ان شاء الله ستكون هذه آخر عملية ونستثمر ما سيأتينا منها في مشروع ونعيش بـ«الحلال»!! ويقف اللص أمام الخزينة التي كسرها ويقول لصاحبه: ما شاء الله خير ربنا كتير!!! مثل ذلك اللص أو بالأحرى مخرج الفيلم يلوذ بالله ليّاذ لئيم جبان؟ ويعتقد من ينتجون ويخرجون الفيلم العربي أن نثر عبارات «ما شاء الله» و«إن شاء الله» تضفي على أحداثه بعدا دينيا وأخلاقيا، فتجد ماجنا يتغزل بجسم راقصة: تبارك الله ايه ده كله، او يشرب زجاجة خمر كاملة ويقول للكاميرا: الحمد لله أخدت كفايتي!! ويسأل محششاتي صاحبه عما إذا كان لديه ما يلزم للسلطنة وتغييب العقل، فيرد عليه بأن يعرض أمامه لفافة كبيرة من المخدرات فيأتي التعليق: اللهم زد وبارك!! ومثل هذا الوسخ كثير على شاشات السينما والتلفزيون عندنا! وقائلوها كالسارق او تاجر المخدرات الذي يحسب انه يطهر ماله الملوث، بالتصدق بجزء منه! وبإقامة ما يسمى الموائد الرمضانية، تحت مسمى «موائد الرحمن» ودَعك من الأب الذي يصيح في ابنه في الفيلم او المسلسل: تعال هنا يا ابن الكلب! عملت كده ليه يا معفِّن؟ ماذا تقول لعيالك وهم يسمعون ويرون أناسا تجمعهم بهم قواسم مشتركة في الدين واللغة والعادات وهم يرددون مثل تلك العبارات او مثل: الرقص مهنة شريفة! وأكتب للمرة الألف عن السؤال الذي وجهته الراقصة المزمنة فيفي عبده إلى عالم أزهري عما إذا كان الرقص خلال شهر رمضان محرما فرد عليها بأن ما هو حرام في غير رمضان حرام في رمضان.. كان شيخنا ذكيا لأن سؤال فيفي كان يعني أنها تعرف ان رقصها فيه «إن» من الناحية الدينية، وكانت تريد ان تكون في «السليم» خلال رمضان على الأقل.. وفي معظم الأفلام العربية تنهض راقصة شريفة وتأتي بحركات لو رأيت زوجتك تأتي بها في غرفة معتمة، يتعذر فيها على الإنسان ان يرى أرنبة انفه وليس معها أحد، لطلقتها وأقنعت أباها بتطليق أمها بأثر رجعي!
جعفر عباس
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]