ما الفرق بين العين والحسد ؟
الحسد والعين من القضايا التي لا تموت أبدا ، وهي متجددة مادامت الحياة ، وما دام الصراع بين الخير والشر باق ، لذلك لابد لنا من التعرف على أسباب الداء ونصف الدواء ،فكما قال عليه الصلاة والسلام :{ لكل داء دواء إلَّا السَّقَمْ} والسَّقَمْ هو المَوْت ،، ولكن ما إن نعلم أن الحسد والعين من أسباب الموت حتى تجتاحنا الرغبة في معرفة ما هذا الداء المعنوي القاتل ،الذي يستشري بيننا ولا ننتبه له ، سنبدأ بتعريف ماهو الحسد ؟ ،ثم ماهي العين ؟ وما الفرق بين العين والحسد؟ وكيف لنا بتجنب هذه الآفة وكيفية معالجتها ،، بداية لا بد لنا من معرفة أن (الحسد ) مرض قلبي، والمبتلى به يتمنى زوال النعمة عن الغير ،فإن الحاسد عدوٌ لنعمة الله غير راضٍ بقسمته سبحانه في خلقه ،ولذا فقد حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: { إيَّاكُم والحسد فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب} وأمرنا الله عزوجل بالتعوذ منه فقال سبحانه [ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقْ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقْ، وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذاَ وَقَبْ ،وَمِنْ شَرِّ النَّفاَثَاتِ فِي الْعُقَدْ ،وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذاَ حَسَدْ] الفلق ،ولأن الحسد يورث التباغض والتدابر قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم في نهيه فقال :{ لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانا} والحسد والحرص على الدنيا قرينان يستغلهما الشيطان للإيقاع بالإنسان في حبائله حتى يغضب عليه الرحمن عزوجل ، ولذلك فقد قرن الله عزوجل بينهما ،فأمر الإنسان ألا ينظر إلى ما في يد ًالآخرين وفي ذات الوقت يَقْنَع برزق الله عزوجل له ،ومن رضي كان له الرضى ،أما من سَخِط فعليه السُّخْط : قال تعالى : [ ولاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا َمتَّعْناَ بِه ِأَزْوَاجا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنيْا لِنَفتْنِهَمْ فيِه وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ] طه ١٣١ ( العين) كذلك داء ولكنه أخص من الحسد ،فالحسد أعم وأكثر شرا من العين ، والحاسد أعم من العائن ،فكل حاسد عائن ، وليس كل عائن حاسد ،إذ أن العائن تقع عيناه على نعمة الآخرين فيتمنى زوالها عنه ،أما الحاسد فلا يشترط رؤيته للنعمة بل ربما يسمع عنها أو يحكي له عنها فيتمنى زوالها ،فالحاسد أكثر شرا وأعظم خطرا لذلك أمر الله بالتعوذ من شر الحاسد لأنه يتضمن شر العائن ،، (أثر العين في القرآن)وقد أشار الله عزوجل في كتابه الحكيم إلى أذى العين بقوله : [ وَإِنْ يَكادٌ الَّذينَ كَفَروا ليَُزْلِقُونَكَ بِأبَْصارِهِمْ لمَّا سَمِعوا الذِّكْرَ وَيَقولوُنَ إِنَّهُ لَمَجْنون] القلم ٥١ أي ينظر إليك الكافرون نظر المتمني زوال نعمة الله عليك بإنزاله الذكر عليك ويقولون حسدا لك إنه لمجنون ، رغم أن هذا القرآن ليس ذكرا لك فقط بل هو ذكر للعالمين كما ورد في موضع آخر ما يوضح هذه النفسية المريضة [ وَقَالُوا لَوْلاَ نَزَلَ هذَا القُرْآنَ عَلىَ رَجُلٍ مِنْ القَرْيَتَيّنِ عَظيِم ، ،أَهُمْ يَقْسِمونَ رَحْمَةَ رَبَّكَ نَحْنُ قَسَمنْا بَيْنَهُمْ مَعيشَتَهُمْ فِي الْحَياَةِ الدُّنْياَ وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ليَتَّخِذَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا سُخْرِياً وَرَحْمَتُ رَبّثكَ خَيْرْ مِماَّ يَجْمَعُونْ] الزخرف ،،(أثر العين في السنة المطهرة) قال صلى الله عليه وسلم { العين حق ،ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين } وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال { أن العين لتُدخِلَ الرجل القبر والجمل القِدْرْ } وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يسترقوا من العين ،ففي الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : “أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر أن نسترقي من العين ” وذكر الترمذي أن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت :”:” يارسول الله إن بني جعفر تصيبهم العين أفأسترقي لهم ؟ قال صلى الله عليه وسلم :{نعم فلو كان شيء يسبق القضاء لسبقته العين} ( علاج المصاب بالعين -المعيون) قال الترمذي : “يؤمر الرجل العائن بقدح ،فيدخل كفه في فيه فيتمضمض ثم يمجه في القدح ، ويغسل وجهه في القدح ،ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ركبته اليسرى ثم يغسل داخلة إزاره ،ولا يوضع القدح في الأرض ثم يصب على رأس الرجل المعيون من خلفه صبة واحدة “،، وذلك تحقيقا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم للعائن أن يغتسل ويصب غسله على المعيون (الوقاية من العين بالتعوذ والرقي) عن أبي سعيد رضي الله عنه :”أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الجان ،ومن عين الإنسان “،، ومن التعويذات القرآنية : قراءة الفاتحة وسورة الإخلاص والمعوذتين ،، ومن التعويذات النبوية : { بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك ،بسم الله أرقيك والله يشفيك} ،،{ بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم } ،، {أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها} ،،( الوقاية من العين بوسائل أخرى) : مما يدفع به إصابة العين ويكون سببا في حفظ النعمة ومنع زوالها أن يقول العبد عندما يرى ما يعجبه من أهله وولده وماله :”ماشاء الله لا قوة إلا بالله” وذلك لقوله تعالى:[ وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَاشَاءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ] الكهف ،،ولقوله صلى الله عليه وسلم :{ من رأى ما أعجبه من أهل ومال وولد فقال ماشاء الله لا قوة إلا بالله لم ير فيهم آفة دون الموت} وكذلك قوله ” اللهم بارك له وبارك عليه” ،،وما يدفع به إصابة العين كذلك ستر محاسن من يخاف عليه العين ، بما يردها عنه ،،وكما فعل سيدنا عثمان بن عفان حين رآى صبيا مليحا فقال:” دسِّموا نونته لئلا تصيبه العين” ، يعني سودوا نونته وهي النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغيرة ،وهي المسماة بطبع الحسن ،، وهذا هو أيضا ما فعله يعقوب عليه السلام مع بنيه عندما أمرهم ألا يدخلوا من باب واحد وأمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة وذلك لأنهم أصحاب هيئة وجمال ، و حتى لا تصيبهم العين ، أو حتى يرد أذاه ،، إن كل ماذكر من أسباب الوقاية والعلاج من العين أو الحسد هي مجرد أسباب وينتج أثرها في كف أذى العائن أو الحاسد وقد لا تنتج أثرها ،وذلك لأن الأسباب لا تنتج أثرها إلا بإذن الله تعالى (المسبب لها) لذلك يجب علينا أن لا نركن إلى الأسباب وإنما علينا أن نلجأ بصدق إلى الله عزوجل ونحسن التوكل عليه ،، والحمدلله
هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]