هنادي محمد عبد المجيد

الرُّؤى وتعبيرها‏

الرُّؤى وتعبيرها‏
عندما سمع يعقوب عليه السلام رؤيا سيدنا يوسف ، نصحه أن يكتم أمر هذه الرؤيا عن إخوته ،لأنه يعلم ما في نفوسهم من حسد ليوسف وأخيه بنيامين ، وكذلك لأن كل ذي نعمة محسود ،لذلك كان من المُستَحب الإستعانة على تسيير الأمور وقضاء الحوائج بكتمانها عن الناس وأخذ الحذر والحيطة في الأمور الهامة ،وكذا من المستحب عدم الإخبار عن الرؤى الصالحة والبشريات إلا لمن يحب لك الخير ،ذلك لأن الشيطان يسعى دائما للإفساد بين الناس ،فماهي الرُّؤْيا ؟ وما أنواعها ؟ وكيف تعرض لها القرآن الكريم ؟ ،، ( الرُّؤيا) هي مايراه الشخص في منامه ،بعكس الرؤية التي هي إدراك المرء بحاسة البصر ،وتطلق على ما يدرك بالتخيل ،وكذا تطلق على الرأي والتفكر النظري ،،[إنِّي أَرَى مَالَا تَرَوْنْ] ،،[مَا أريكمْ إلا ما أَرَى ما أهديكم إلا سبيل الرَّشاد ] ،، والرُّؤى على أنواع : فمنها رُؤى الأنبياء ،، ومنها رُؤى الصالحين ،، ومنها رُؤى سائر الناس ،،أولا: (رُؤى الأنبياء) وهي وحي من الله عزوجل ،ومن صورها في القرآن الكريم : رُؤْيا إبراهيم لإسماعيل عليهما السلام :[يَا بَنِيَّ إنِّي أَرَى فِي المَناَمِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قاَلَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرْ سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ الَّله مِنْ الصَّابِرينْ ] والدليل على أنَّها وحي من الله عزوجل قوله :[ يَا أبََت افْعَلْ مَا تُؤْمَرْ] فهي أمر من الله عزوجل واجب العمل به ،وكذلك قوله [ يَا إبْراهيِمْ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا] فهي وحي من الله عزوجل واجبة التصديق ،، رؤيا رسول الله ْصلى الله عليه وسلم بدخول المسجد الحرام هو وصحابته الكرام ،والتي ورد ذكرها في سورة الفتح : [ لَقَدْ صَدَقَ اللَّه رَسُولَهُ الرُّؤيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلَن َّالمَسْجِدَ الحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آَمنِينَ مُحَلقِّينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرينَ لاَ تَخاَفونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَريبًا] فهذه الرؤيا تحققت بعد عام كامل وهي التي تسمى بعمرة القضاء بعد أن اتَّفق رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المشركين على بنود صلح الحديبية والتي تضمنت دخول الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى مكة معتمرين آمنين ،، فرؤيا الأنبياء كلها صادقة ،وأغلبها صالحة ،وأقلها غير صالح ،مثلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقراً تُنْحَرْ فأوَّلها على أنَّها صحابته التي تستشهد في أحد ،،ثانياً :(رُؤَى الصالحين) وهذه تنقسم إلى قسمين : رُؤْيَا صالحة ،، ورُؤْيَا صادقة ،، و(الرُّؤْيَا الصالحة ) : هي المُبشِّرات يراها الرجل الصالح أو تُرى له ،وهي جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ،أي أن الرُّؤى الصالحة هي كل ما يَسُر ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{ لم يبق من النبوة إلا المبشرات} قالوا وما المبشرات يا رسول الله ؟قال:{ الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو تُرى له} وروى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :{ الرُّؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة} وقال صلى الله عليه وسلم :{ من رآني في المنام فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثَّل بي }
( الرُّؤى الصَّادقة) : وهي الرُّؤى التي تقع كما هي سواء كانت بالبشرى أو بغيرها ،فصفتها الأساسية أنها إخبار بما لا يكذب ،فهي تقع في اليقظة على وفق ما وقعت
في المنام ،وهي تحمل معاني البِشارة أو النذارة أو المُعاتبة ،وهي تقع في الغالب للأنبياء ومن تبِعهم من الصالحين ،ولكنها قد تقع لغيرهم أحيانا ،فرُؤيا الملك في قصة سيدنا يوسف رُؤيا صادقة ،ورُؤى صاحِبيْ السجن مع يوسف كانت صادقة كذلك ولكنَّها ليستْ رؤى صالحة ، إذا كل رؤيا صالحة صادقة ،ولكن ليست كل رؤيا صادقة صالحة لأنها تأتي أحيانا بما لا يَسُر ،، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {أصْدَق الرُّؤْيا بالأسحار} وروى البخاري في صحيحه عن أبي سلمة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :{ الرؤيا الصادقة من الله ، والحلم من الشيطان} ،،ثالثا ً: (رُؤَى سائر الناس) وهؤلاء يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث ،وتنقسم إلى ثلاثة أقسام : ١/أناس مستورون : فالغالب إستواء الحال في حقِّهم ،،٢/أناس فَسَقَة :والغالب على رُؤياهم الأضغاث ،ويقل فيها الصدق ،،٣/ أناس كفَّار : وهؤلاء يندر في رؤياهم الصدق جدا ،، ويشير إلى ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :{ أصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا} وإذا رأى الكافر والفاسق رؤيا صالحة ،فإنها تكون بشرى بهدايته إلى الإيمان مثلا أو التوبة من المعاصي ،، والرؤيا لها أمد تنتهي إليه وهي أربعون عاما ،فقد روى البيهقي عن عبد الله بن شداد أنه قال : “كان بين رؤيا يوسف عليه السلام وعبارتها أربعون عاما ،وإليها ينتهي أمد الرؤيا”،،
جوَّز العلماء أن يرى النائم المولى عزوجل ،ولكن ليس بصورة إنَّما يقذِفُ في قلب النائم أن الذي يكلمه هو الله عزوجل ،، وقال العلماء: من رآى نبيا على حاله وهيئته فذلك دليل على صلاح الرَّائي وكمال جاهه عند الله عزوجل ،أما إن رآى نبياً متغيِّر الحال عابساً مثلا ،فذلك يدل على سوء حال الرائي ، فرؤيا أي نبي قد تكون صالحة تحمل البشرى لصاحبها ،أو أن تكون رؤيا صادقة تحمل إنذارا أو معاتبة لصاحبها ،ولكنها أبدا لا تكون أضغاث أحلام لأن الشيطان لا يتمثل بالأنبياء عامة ولا برسول الله خاصة ،، وقال صلى الله عليه وسلم :{ من رآني فقد رآى الحق} وقال :{ من رآني في المنام فقد رآني ،فإن الشيطان لا يتمثل بي ،ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبُّوة } ،،(الرؤيا والحلم في القرآن الكريم) : وردت كلمة ( الأحلام) في القرآن الكريم ثلاث مرات ،يشهد سياقها بأنها الهواجس المختلطة وتأتي في المواضع الثلاثة بصيغة الجمع ،دلالة على الخلط والتشويش ،لا يتميز فيه حلم عن آخر ،فنص جدل المشركين [ بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلْ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِر ،فَلْيأَتينَا بِآيَة كَمَا أَرْسَلَ الأوَّلونَ] أما الرُؤيا فجاءَت في القرآن سبع مرات ،محلها في الرؤيا الصادقة ، وترد بصيغة المفرد ،ودلالة على التميُّز والوضوح والصفاء ،من بين المرات السبع ،جاءت الرؤيا خمس مرات للأنبياء ،فهي من صدق الإلهام القريب من الوحي مثل رؤيا ابراهيم عليه السلام ، ورؤيا يوسف ،ورؤيا المصطفى ،والمرَّتان الأُخريان في رؤيا العزيز وقد صدقت ،وكانت واضحة وجلية وصافية ،،( أضغاث الأحلام) في اللغة الأضغاث :جمع (ضِغْث) ،وهو كُل ما جُمع وقُبض عليه بجمع الكف ،، أضغاث الأخبار: ضروب مختلطة منها ،، وأضغاث الأحلام : ما كان منها مُلتبِساً مضطربا يصعب تأويله ،وهذه تكثر جدا بالنسبة للفسقة والكفرة ،وتحمل أحاديث للنفس ،فما يشتهيه المرء في يقظته قد يراه في منامه ،وقد تحوي تلاعب الشيطان به ،وهذا قد يصل إلى ما يسمى بدرجة (الكابوس) فيحزنه حزنا شديدا ويقض مضجعه ،حتى أن من يصاب بذلك يصل إلى درجة الخوف من النوم ،وهذا من تسلط الشيطان على ابن آدم ،، وعلاج ذلك : التسلح بالوضوء ، والصلاة ، وقراءة القرآن والأذكار ،والإستغفار ،وطيِّب الطعام ،فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال:{ أشد ما يكون على الشيطان من ابن آدم أمران: الإستغفار وطيِّب الطعام} ،، هكذا جعل الله منهاج الحياة السوية الهادئة هو منهاج الذكر والتطهر والإحسان في كل عمل حتى صنع الطعام لأنه يؤثر سلبا وإيجابا على مزاج وكيمياء الإنسان ، فأكرم به من دين .

هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]