عالمية

طالبان تمضي نحو دولتها الثانية بسيناريو التضحية بسمكة كبيرة

من يطلب الأمان في أفغانستان.. الرئيس الحالي حامد كرزاي أما الملا عمر زعيم حركة طالبان المتواري عن الأنظار منذ خلع الغزو الأمريكي لحكومته أو دولته في عام 2001؟

كرزاي، وفي تصريح مفاجئ قبل أسابيع بعد عودته من الولايات المتحدة الأمريكية، عرض مرورا آمنا للملا عمر إلى داخل أفغانستان مقابل إنهاء الحرب التي تشنها حركته بلا هوادة، لكن الأخير حسم أمره بالرفض التام لأية محاولات وساطة أو صلح في ظل احتلال بلاده، وجدد في بيان ليلة عيد الأضحى دعوته لانسحاب القوات الأجنبية، قائلا إنها “على شفير الهزيمة”.

وفي لهجة تميزت بالقوة أضاف “أمام المحتلين فرصة ذهبية لسحب قواتهم، ووقف إبادة شعبنا. كلما قصفتم بيوتا وأوقعتم شهداء، تعرضتم لغضب المجاهدين”.

في نظر محللين متابعين، تبدو ورقة الحسم في يد الملا عمر الذي لا يُعرف ما إذا كان يدير معاركه من الداخل، أم من مدينة “كويتا” الباكستانية القريبة من الحدود مع كل من أفغانستان وإيران، كما يزعم مسؤولون أمريكيون وغربيون.

المتيقن منه في نظر هؤلاء المحللين أن عروض المصالحة التي يطلقها النظام الرسمي في كابل تتم بمباركة أمريكية، وأن هدفها ليس منع عودة طالبان بزعيمها الملا عمر كحكومة ودولة مجددا إلى أفغانستان، وإنما لتقليل الآثار المترتبة على هذه العودة.

والمشكلة الأمريكية والغربية.. هل المصالحة مع طالبان تعني المصالحة مع القاعدة أيضا، وهل عودة الملا عمر تعني العفو عن أسامة بن لادن، أم أنه يتعين الفصل بين الاثنين، وأن طالبان لابد أن تضحي بسمكة كبيرة من القاعدة كعربون حسن نية لبداية دولتها الثانية، ومن هي هذه السمكة؟

كرزاي يطلب الأمان

في توصيف الأوضاع الحالية يرى خبير الحركات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية د. ضياء رشوان -في حديث لـ”العربية.نت”- أن من يطلب الأمان هو كرزاي وليس الملا عمر، فقد وصل إليه في العرض العسكري ولم يكن المقصود اغتياله وإنما إرهابه وتأكيد قدرة طالبان على الوصول إليه.

ويشرح ذلك بقوله في التقرير الاستراتيجي الذي صدر هذا العام من الأهرام، دراسة نشرتها عام 2002 عنوانها “هل تعود طالبان إلى الحكم”.. وكان تقديري أنها ستعود ولم يكن عندي شك في هذا. وكل الملابسات في أفغانستان حاليا تؤكد أننا إزاء تقدم نهائي لها، والمسألة مسألة وقت فقط.

ويبرهن على ما يقول بالعديد من التصريحات الصادرة مؤخرا من قادة عسكريين وسياسيين على مستوى عال في أفغانستان من بينهم كرزاي نفسه، وكلها تعني التسليم بما حدث، وأن أمر الله وارد لا محالة.

ويبرر محاولات طلب الوساطة وعروض المصالحة التي يلوح بها كرزاي، بأنها لمجرد تحسين ظروف عودة الملا عمر الذي تسير حركته حاليا في الطريق إلى كابل. “وتشير التقديرات حاليا إلى أنه يسيطر على نحو 50-70% من الأراضي الأفغانية”.

في يوم عيد الأضحى الماضي، الاثنين 8-12-2008 وصل الإحساس بقوة وسيطرة طالبان على الأرض لذروته، بحرق عناصرها حوالي 100 شاحنة تابعة لحلف شمال الأطلسي في شمال غرب باكستان، بينها 50 شاحنة تستخدم لنقل المؤن إلى القوات الأجنبية في أفغانستان.

يصف د. رشوان ذلك بـ”قرصة الأذن” من باكستان التي كانت حليفة للولايات المتحدة الأمريكية في غزوها لأفغانستان، وإطاحة طالبان في العام 2001، فقد أرادت أن تثبت أن المشهد سيكون هكذا إذا رفعت يدها من الحدود، فمن 80 إلى 90% من خطوط الإمداد والتموين للقوات الأجنبية داخل أفغانستان تمر من ذلك الطريق الذي حرقت عليه الشاحنات، وهذا معناه أنهم سيموتون جوعا إذا استمرت المخاطر، وستنقطع عنهم إمدادات السلاح والذخيرة.

ويقول لك أن تتخيل ماذا يمكن أن يحدث لقوات الناتو والقوات الأمريكية والمحلية في الداخل، في موازاة استمرار تقدم طالبان على الأرض، وقطع الإمدادات القادمة عن طريق باكستان؟

مفاوضات سرية

ويُقَدر رشوان أن المفاوضات مع طالبان تجري منذ حوالي 8 أو 9 شهور. معلومات كثيرة تناثرت عن مباحثات سرية مع بعض الأجنحة الطالبانية، فمن 4 شهور ألقي القبض على بريطاني ونيوزلندي داخل أفغانستان، أحدهما يمثل الاتحاد الأوروبي بتهمة الاتصال بطالبان.

ويشير إلى تصريحات للرئيس كرزاي صبيحة وصوله من واشنطن، وجه فيها نداء إلى الملا محمد عمر وقلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الإسلامي القريب من “القاعدة” بالتفاوض، وسئل في المؤتمر الصحافي هل استشرت الرئيس بوش في هذا الكلام؟.. فأجاب بنعم.

المحصلة أن مفاوضات فعلية تتم، والإعلان عنها في الفترة الأخيرة بمثابة التمهيد لحسم نهائي، فقد كان هناك أمل في تقديري -والكلام لرشوان- أن يحدث ذلك قبل نهاية إدارة بوش الراغب في تسجيل انتصار في أي مكان.

العقبة الرئيسة في المفاوضات كانت وستظل هي “القاعدة”. وهنا يقول رشوان “بعض الوسطاء كانوا صرحاء عندما طالبوا بشكل مباشر بالتفرقة بين الاثنين عند التفاوض مع طالبان، وهذا كان مفهوما منذ بدء المفاوضات السرية تحت رعاية البريطانيين”.

وفي رأيه أن هناك سيناريوهات عديدة لإزالة تلك العقبة، ليس من بينها بالتأكيد أن تكون “القاعدة” طرفا في أي تسوية مع الغرب أو الحكومتين الأفغانية والباكستانية، لكن لا خيار سوى الوصول إلى التسوية، مع أن هناك جناحا أصغر في الإدارة الأمريكية الحالية لا يزال متمسكا بفكرة الحل العسكري وهو مستحيل، فلم يهزم أحد الأفغان منذ عهد الإسكندر الأكبر الذي احتل بلادهم وأجبر على الخروج منها خائبا.

السمكة الكبيرة

عن السيناريوهات المتوقعة يقول رشوان “أسوأها أن تتفق بعض القيادات الرئيسة لطالبان على التضحية ببعض قيادات القاعدة، وكانت نبوءتي أو توقعي أن يكون الضحية هو أيمن الظواهري وليس أسامة بن لادن البعيد عن هذا الاحتمال لأسباب تاريخية مرتبطة بعلاقته بالأفغان، واجتماعية متمثلة في علاقات المصاهرة، وأسباب تتعلق بتقدير من الأفغان عموما وليس طالبان فقط بدور أسامة بن لادن في أفغانستان”.

ويرى أن الثمن المتاح من طالبان قد يكون ثمنا إعلانيا؛ كتفكيك بعض قيادات القاعدة أو تسليمها، ولا أستبعد أن تكون بعض الضربات التي أصيبت بها القاعدة في منطقة القبائل في الفترة الأخيرة ومقتل بعض قياداتها، تسريبات أمنية من داخل المحيطين بهم أو نوعا من أنواع تقديم “عربون حسن النية”.

إذاً التضحية الأولى -والكلام لرشوان- هي تقديم سمكة كبيرة للأمريكان تغطي على الصلح مع طالبان، قد تكون الظواهري مقتولا أو مقبوضا عليه، وهذا يتوقف على أي الأجنحة داخل طالبان قادر الآن على اتخاذ القرار النهائي.. هل هو الجناح الأكثر قومية ووطنية أفغانية، أم الجناح الإسلامي الأكثر دولية وتبنيا للفكرة الإسلامية بشكل عام. أظن أن الجدل دائر حاليا حول هذه النقطة، لكنه لا يستبعد فشل سيناريو التفاوض في حد ذاته بسبب عقبة “القاعدة”.

ولا يمكن نسيان الدور الذي يلعبه زعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار في تدعيم التقدم الطالباني على الأرض، ويذَكر رشوان بإعلانه في العام الثاني من الغزو الأمريكي أنه سيحارب الاحتلال، مؤكدا ولاءه المباشر لابن لادن، وهو جزء رئيس من المقاتلين وحليف لطالبان والقاعدة، ولا يمكن استبعاده من أي مفاوضات.

كيف ستحكم طالبان؟

إحدى نقاط الاختلاف، تتمثل في الشكل الذي ستكون عليه دولة طالبان الثانية، ويشير رشوان إلى الطرح الأمريكي بإجراء انتخابات، اعتمادا على أنه في مجتمع متعدد الأعراق مثل أفغانستان لن تحوذ طالبان على أغلبية مطلقة حتى لو حصلت على كل أصوات قبائل “البشتون” التي تنتمي إليها، وتشكل 35% من نسبة السكان، وهذا طبعا غير متاح لأن هناك أجنحة بشتونية مثل جناح كرزاي سيحصد بعض الأصوات، ما يعني أن طالبان لن تحكم منفردة، بل من خلال ائتلاف يضم بشتون وأوزبك وهازاره وطاجيك وبقية العرقيات، وهكذا تتكرر الصيغة العراقية ولكن بنكهة أفغانية.

إلا أن استبعاد الإسلام من المعادلة خط أحمر، ليس بالنسبة لطالبان فقط، وإنما لكل القوى الأفغانية تقريبا بلا استثناء.

وفي رأي الصحافي عبد الله الحاج خبير الشؤون الأفغانية، والذي غطى مرحلة حكم رباني ثم طالبان كموفد إلى أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي وحتى عام 2001، أن تحالف قلب الدين حكمتيار مع طالبان ينهي المسألة تماما لصالحهما، ويتيح لهما الاستيلاء على ما يصل إلى 90% من الأرض، فهناك سيطرة طالبانية كاملة على الشمال الأفغاني، وسيطرة من حكمتيار على امتداد الحدود مع إيران، ويبقى كرزاي محصورا في كابل وبعض المحاور حولها، معتبرا أن دولة طالبان الثانية قائمة بالفعل في الوقت الحالي على ثلاثة أرباع أفغانستان.

ويؤكد أنه في ظل هذا المناخ لن يوافق الملا عمر على محاولات الصلح أو الوساطة، ويظهر ذلك من بيانه في عيد الأضحى الذي دعا فيه إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية عام 2009، وتوحيد الصفوف ضد المحتلين، ووصفها بأنها “خادعة لتعمي الأنظار وأن الخيار يتم في واشنطن

العربية نت