الطاهر ساتي

قضية المستشار.. قبل التلاشي..!!


قضية المستشار.. قبل التلاشي..!!
** عندما انتقل والد زميلنا زكريا حامد الى رحمة مولاه قبل عقد ونيف بحلفا الجديدة، زاره أحد زملاء الدراسة معزيا ومشاطرا حزن الفراق، ثم غادره بعد أن وصاه بالصبر والدعاء..وبعد سنوات من الوفاة والعزاء، التقاه ذات الزميل في زحام السوق العربي بصدفة أسعدتهما كثيرا، وبعد الأحضان وتبادل التحايا سأله زميله بلهفة : ( بالله الوالد كيف ؟)، فتفاجأ زكريا بالسؤال ولكن استدرك الزميل بأن الوالد متوفي وانه شارك زكريا العزاء، ولذلك واصل سائلا : ( لا أنا قصدي هو لسة في قبرو القديم داك في حلفا؟)، فباغته زكريا بسخريته المعهودة : ( لا، رحلناه في قبر جديد في الرياض) ..!!
** وهكذا تقريبا لسان حالنا بالسوداني، كما قالت زاوية (في الشبكة)، في عدد البارحة..فالقراء يسألون ويتساءلون يوميا – كما تقول الزاوية -عما حدث لقضية المستشار مدحت مدير الإدارة القانونية بولاية الخرطوم، ثم يستدركوا بأنها تسير في ذات ركب قضية المبيدات الفاسدة وأخواتها، ولذلك يعيدوا ذات التساؤل (لا نحن قصدنا يعني هي لسة في قبرها داك ؟)، وبالتأكيد اجابة السؤال في طي السؤال ذاته، ولذلك لانملك من الردود غير رد شبيه برد زكريا حامد : ( لا، رحلوها حي السُترة)..علما بأن أسئلة القراء في مواقف كهذه ليس مزعجة، بل هي مشروعة، ولكن لمن يجب توجيه تلك الأسئلة التي من شاكلة ( قضية المستشار حصل فيها شنو؟، قضية التقاوى حصل فيها شنو؟، قضية المبيدات حصل فيها شنو؟، وغيرها ) ..!!
** الصحافة – يا سادة ياكرام – ليست بسلطة نيابية ليصدر مدير التحرير أمر قبض أو تكليف بالحضور ضد الفاسد والمفسد، ثم يقول للقارئ ( ها نحن نتحرى )..وليست بسلطة قضائية ليصدر رئيس التحرير حكما بالسجن والغرامة أو بالبراءة، ثم يخاطب القارئ قائلا ( ها نحن حكمنا )..سلطة الصحافة – يا من تسألون وتتسأءلون – لاتتجاوز دورا من شاكلة ( هذا فاسد ومخالف للقانون، فحاسبوه)..إن حاسبوه، تنشر المحاسبة، خبرا وتعليقا..وإن لم يحاسبوه، لسنا مطالبين بأن نخرج للسلطات الأخرى بال(عكاكيز)، بل نكون قد وثقنا للتاريخ والأجيال القادمة – ثم رسخنا في ذاكرة الناس – مشهدا من مشاهد (إذا فسد المسؤول، ستروه) ..!!
** وقبل أسبوع ونيف، قلتها في الشروق، وكان الدكتور الفاتح عزالدين ضيفا في البرنامج ممثلا للبرلمان: ( ما لم تتكامل السلطات، بحيث تؤدي كل سلطة دورها في حياة الناس كما يجب، فلن ينصلح الحال العام)..ولن تتكامل السلطات ما لم تتساو في السلطة والقوة والآداء، حسب نصوص الدستور والقوانين..بمعنى، الصحافة وحدها لاتكفي في الإصلاح، ولا البرلمان وحده، ولا المجتمع وحده، بل لابد من إرادة سياسية توفر المناخ للسلطات المحاسبية.. ولذلك بدلا عن سؤال ( قضية فلان حصل فيها شنو؟، قضية فلتكان حصل فيها شنو؟)، يجب طرح السؤال العميق( قضية الإرادة السياسية حصل فيها شنو؟)، نعم تلك هي (أُم القضايا)..وتلك هي (أُم الكبائر) ..!!
** وعليه، ياعزيزي القارئ..لاترهق ذهنك وترهقنا معك، ولاتزعج ذاتك وتزعجنا معك، بسؤال (قضية المستشار مدحت حصل فيها شنو؟)..فهذا سؤال يخص السلطات الأخرى، وليست السلطة الرابعة..فالسلطة الرابعة قالت كلمتها – بكل وضوح – في تلك القضية ومشت نحو قضايا أخرى، فالحياة ومخالفاتها وفسادها ومفسديها لم – ولن تقف – عند حد قضية المستشار مدحت..لكن المحزن هو أن السلطات الأخرى هي التي لم تقل كلمتها في تلك القضية وأخريات تضج بها أرشيف الصحف ودهاليز أجهزة الدولة، فأسألها عن السبب، إن كنت لاتعلم..على كل حال، انسى تلك القضية أو (تناساها)..وقديما كان لأحد أجدادنا زرع غزير في حقل شاسع، فطارد شباب الحي ذات مساء أحد اللصوص الى أن دخل الحقل، فشرعوا يبحثون عنه، فقال لهم جدنا بحكمته المعتقة : ( ابحثوا عنه، إن لم تجدوه فان موسم الحصاد كفيل باظهاره لكم )..وهكذا لسان حال الصحافة تقريبا، بحيث مهمتها هي البحث في حقول الألغام وإظهار أمكنة الفاسدين وبؤرهم للسلطات الأخرى لتحاسبهم على فسادهم، وإن غضت تلك السلطات طرفها ولم تحاسبهم فان موسم الحصاد كفيل باظهارهم (جميعا)، ومحاسبتهم (جميعا )..فهل ينكر أحدكم – أو يشك – بأن مواسم الله خالية من (موسم الحصاد)..؟؟

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]