الطاهر ساتي

(اطلع برة، ماعندنا ليك علاج )


(اطلع برة، ماعندنا ليك علاج )
** هكذا الواقعة، وأعرضها – كماهي – بلا مقدمات..محمد الخاتم عوض، شاب سوداني في خواتيم العقد الثالث من العمر، مهندس باحدى الشركات الخاصة ويقطن احد أحياء أمدرمان..له أصدقاء بالخرطوم، وزارهم مساء الثلاثاء قبل الفائت ليستمتع بإحدى مباريات الدوري الإنجليزي والتي انتهت بعد منتصف الليل بقليل، ثم ودع أصدقاءه وغادرهم متوجها الي منزله بأمدرمان..قبل أن يصل إلى كبري أمدرمان، شعر بضيق في التنفس مع بعض الدوار والعرق الغزير..كان يقود سيارته ولم يكن معه أحد، ولذلك توجس ..ثم هدأ من سرعة السيارة وتحامل على نفسه وواصل القيادة ببطء وحذر الى أن تجاوز الكبري، ووصل حيث قسم الحوادث والطوارئ بمستشفى السلاح الطبي..!!
** دخل محمد الخاتم إلي قسم الحوداث والطوارئ ووجد الفريق العامل، عددهم أربعة، مابين طبيب ومساعد، وحياهم..سألته احدى طبيبات القسم : ( خير إن شاء الله، مالك؟)، فأجابها وهو في حالة الإرهاق وقليل من الوعي : ( والله حاسي بضيق في النفس ورأسي دايش شوية وجسمي عرقان )، فسألته ذات الطبيبة وهي ذات رتبة عسكرية : ( عندك تأمين عسكري؟)، فرد منهكا : ( لا، أنا ما عسكري، وما عندي تأمين، لكن معاي قروش وممكن أدفع، بس عالجوني )، فقالت له الطبيبة وهي تزيح بوجهها عنه : ( لا، آسفة والله، والله بنقدر نعمل ليك حاجة )، فأعاد محمد الخاتم حديثه الأخير بمظان أن الطبيبة لم تسمعه : ( آسفة شنو يا دكتورة؟، أنا عايز اتعالج بقروشي )، فوضحت له الطبيبة : ( حتى ولو بقروشك، ماعندنا ليك علاج هنا )..!!
** فسألها محمد الخاتم بدهشة : ( ليه؟، ده موش قسم طوارئ في مستشفى؟ وأنا موش إنسان ياجماعة؟)، فحسمته بنبرة عالية : ( يازول لو عندك تأمين عسكري بنعالجك، لو ماعندك شوف ليك محل تاني، نحن عندنا تعليمات ما نعالج إلا الناس العندهم تأمين عسكري)..ولأن حالته الصحية لم تكن مطمئنة، إسترجاها ( أوك، نحترم تعليماتكم، لكن يا دكتورة أنا ما قادر اتنفس وسائق براي، وأنا ياخ انسان وممكن تحصل لي أي حاجة في الطريق، ومعاى قروش بس محتاج أي دواء يهدئ نفسي ده شوية )، ويبدوا أن محمد الخاتم إسترسل في الرجاء والتوسل، ولذلك تدخل طبيب أخرى، وزجره قائلا بالنص : ( يازول ما تكتر الكلام، كلامنا ليك واضح، ما بنعالجك، ولو سمحت اطلع برة)، وهنا شعر محمد الخاتم بضيق زاد عليه ضيق تنفسه ، فسأل الطبيب : ( كدي خلونا من الرحمة والإنسانية، تصرفكم ده ما بخالف القانون ؟)، فرد الطبيب : ( اطلع من هنا واتعالج في اى مستشفى، وبعد ده امشي اشتكينا زي ما انت عايز) ..فسأله حائرا ( طيب لو أنا طلعت من باب القسم ده ووقعت مت، تتحملوا مسؤوليتي؟)، فلم يجد غير التجاهل ردا..فغادرهم بذات الضيق والعرق والدوار، واستعان بأحد المارة ليقود له سيارته حتى وصل به إلى مستشفى آخر، فتداوى فيه بفضل الله ثم بجهد فريقه الطبي ..!!
** تلك هي قصة الإنسان محمد الخاتم عوض مع قسم الحوادث والطوارئ بمستشفى السلاح الطبي، مساء الثلاثاء قبل الفائت..وكان يجب نشر القصة قبل أيام من يومنا هذا، ولكن واجب التقصي من سلامة وقائعها أخرها الي يومنا هذا، وللأسف كل تفاصيلها ( حقائق)..نعم، طرد فريق العمل بقسم حوادث وطوارئ بالسلاح الطبي مواطنا سودانيا قصده – بعد منتصف الليل- بحثا عن الكشف والعلاج وفي هو حالة مرضية طارئة وحرجة، ولم يطروده لعجزه عن دفع رسوم الكشف والعلاج، بل بحجة ( عندنا تعليمات ما نعالج إلا زول معاه تأمين عسكري)، هذا ماحدث..وعليه، فليضع مدير السلاح الطبي نفسه في موضع وموقف المواطن محمد الخاتم، وكذلك الفريق العامل بقسم الحوادث والطوارئ ذاك المساء، أو فليضعوا أي فرد من آل بيتهم وأهلهم – حفظهم الله – في ذاك الموقف الحرج الذي تعرض له محمد الخاتم، قبل الرد على أسئلة مشروعة من شاكلة : فلندع كل قوانين الأرض ولوائحها وتعليماتها وأوامرها، عسكرية كانت أو مدنية، فهل يجوز شرعا وأخلاقا – حين تحتكم العقول والضمائر الي قيم السماء ومكارم الإنسانية – رفض انقاذ حياة مواطن من التدهور الصحي أو الموت وطرده من مرفق علاجي ؟..من أي دستور؟، ومن أي قانون؟، بل من أي دين إستلهمت تعليماتكم تلك أهدافها وغاياتها يا سادة السلاح الطبي؟..وبأمانة كدة : كم عدد الحالات الطارئة التي تطردها تعليماتكم – يوميا وأسبوعيا وشهريا وسنويا – من قسم الحوادث والطوارئ، ولاتجد قصصها طريقا الى الرأي العام ؟..وهل أنتم على يقين بأن بعض الحالات لم ينتقل أصحابها الي رحمة مولاهم، وهم يبحثون عن مكان أخر بعد أن طردتهم تعليماتكم من قسم حوادثكم وطوارئكم …؟؟

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]