هنادي محمد عبد المجيد

سنترال عظيم إسمه المخ‏

سنترال عظيم إسمه المخ‏
للمفكر العالم الكبير الدكتور مصطفى محمود كتاب بعنوان ( لغز الحياة) من يقرأه يموج بين مقالاته في متعة وعنفوان المستنشق لعبير أو إكسير الحياة ،، سأتناول بعض مقالاته على تتابع أو تفاوت ، فهي تستحق النشر والقراءة والإستمتاع بها ،” من الثابت بالتشريح أن مخنا تضاعف في الحجم والوزن في عشرة الملايين سنة الأخيرة منذ جدنا الأول المزعوم (القرد البشري) الذي كان يعيش في الترنسفال منتصب القامة ، وكانت نتيجة تضخم المخ أن تضخمت الجمجمة معه على حساب الوجه الذي ظل يتضاءل في المساحة كلما زحف المخ عليه حتى لم يعد هناك مكان لضروس العقل (لأن المخ احتل مكانها) فأصبحت لا تنبت أحيانا أو تنبت بصعوبة ،، ومع إستخدامنا للشوك والسكاكين وطهي الطعام وتفضيل الأكلات التي لا تحتاج لكثير مضغ ، فإن أسناننا سوف تنقرض ويأكلها السوس في المستقبل لقلة استعمالها ،وسوف تهبط من ٣٢ إلى ٢٨ سِنَّة ، هكذا يقول لنا العلماء إذا لم نكتشف وسيلة لصيانتها وتشغيلها ،، والسؤال المثير ،هو لماذا تضخم حجم المخ ؟ ولنعرف الجواب لا بد أن نسأل أولا : وماهو المخ ؟ المخ هو سنترال عظيم فيه أكثر من أربعة عشر ألف مليون خط عصبي قادمة إليه من مختلف أماكن الجسد ،، والعصب البصري وحده فيه مليون خط عصبي قادمة إليه من العين وقس على ذلك باقي الأعصاب ،، وكل هذه الخطوط تلتقي في الدماغ حيث يقوم المخ بتحليل رسائلها والرد عليها بأجوبة وأفعال فورية ،، وبالإضافة لهذه الخطوط نجد آلاف ملايين الخطوط الأخرى التي تقوم بدور الترابط في داخل السنترال نفسه بين مختلف المراكز حيث يقوم المخ بدور آخر هو التفكير ،بالإضافة إلى ردود الفعل التي يجيب بها عن كل صنوف التنبيهات ،، والحواس المهمة في المخ لها مراكز محددة وسنترالات أصغر خاصة بها ،فالمركز البصري يقع في مؤخر الدماغ ، ومراكز اللمس والسمع على الجانبين ،ومراكز الحركة في المنتصف ، ومراكز التوازن أسفل الدماغ في فصوص صغيرة خاصة بها اسمها المخيخ ومراكز التنفس والدورة الدموية في أعلى الحبل الشوكي عند اتصاله بالمخ ، أما التفكير والخيال والتصور والذاكرة وإدراك المستقبل والإحساس بالكيان والتدبر والعزم والتخطيط فلها فص أمامي هائل (خلف الجبهة)خاص بها ،ولا مثيل له في الحيوان ، وهكذا كل نشاط له مركز خاص ،حتى العاطفة والغريزة والجنس والألم واللذة والنوم لها مراكز ،وفي كل مركز ملايين الخلايا ساهرة كموظفي السويتش في حالة يقظة دائمة تجيب وتستجيب لأدق الهمسات العصبية ، وفي كل لحظة تتدفق الآن ملايين الإشعارات والرسائل العصبية من الجلد والعين والأذن والأنف ومن الأحشاء ومن القلب ومن الأوعية الدموية والكبد والرئتين وكل مكان بالجسد، حاملة المعلومات والتنبيهات إلى المخ ، هذا بالإضافة إلى خطوط الترابط الداخلية في المخ نفسه بين المراكز المختلفة ،وهي الخطوط التي تقوم بالتنوير الضروري بين مختلف المراكز ، وفي نفس اللحظة تحمل ملايين الخطوط العصبية الصادرة عن المخ ردود الأفعال على هذه التنبيهات على شكل أوامر بالحركة إلى العضلات وتعليمات بالإفراز للغدد المختلفة وإشارات باتخاذ إجراءات سلوكية معينة لكل عضو ،، هذا النشاط المعقد هو عمل المخ ودوره ،، ولهذا كان ازدياد حجم المخ هو الإستجابة الطبيعية لضغط العمل المتزايد عليه ،، تماما كما تنشيء سنترالا كبيرا من ٨٠ألف خط بدل بدلا من السنترال القديم ذي العشرة آلاف خط نتيجة تزايد الضغط وكثرة عدد المشتركين في منطقة ما ،، وهي في بدء الخليقة حينما كان الكائن الحي خلية واحدة وكانت أغراضه بسيطة ،كانت المادة الحية ذاتها تقوم بالإستجابة ،فتنقبض الخلية مبتعدة عن الخطر بدون حاجة إلى جهاز عصبي ،ولكن بنشأة الكائن الحي المتعدد الخلايا والوافر النشاط ، تخصصت بعض الخلايا في نقل إشعارات الخطر، وكانت هذه الخلايا هي بداية المخ ،، وبتعقد الكائن الحي وتعدد وظائفه واغراضه ونشاطاته ،ازدادت الخطوط في هذا المخ البدائي فبدأ يزداد في الحجم تماما كما يحدث أن تستعمل عضلات ذراعيك بإسراف في رفع الأثقال ،فتتضخم هذه العضلات ،،وكلما ازدادت خبرات الإنسان كلما ازداد حجم الجهاز الخاص بها وهو المخ ،إن ما يهدف إليه الإنسان بإعمال المخ والفكر شيء أكثر من مجرد تكديس المعارف وتحقيق المصالح الحيوية ،، إن أرقى ما يهدف إليه الإنسان بإعمال المخ والفكر شيء أكثر من مجرد تكديس المعارف وتحقيق المصالح الحيوية العاجلة والتكيف مع بيئة متغيرة ،إنه يحاول أن يفهم ،، إن أرقى وظائف العقل هي محاولته الدائبة لربط الظواهر حوله في علاقات منسقة لإستنباط القوانين الخافية وراءها ولمعرفة النظام الكامن في الأشياء واكتشاف العلة والمعنى وفي كلمة واحدة ( الفهم) ولكن التفكير للنفع قبل الفهم مازال هو الغالب ومازال يقعد بالعقل عن بلوغ أسمى أهدافه ، إننا نفكر للكسب ونفكر للحرب ونمارس ذكاءنا في سبيل المزيد من السيطرة والنفوذ والقوة والمادية ،ولا نفكر لنفهم أنفسنا وأزماتنا الحقيقية والنتيجة أن الإنسانية تخطو إلى خرابها دون أن تدري ،، ألا يجب أن نتوقف لحظة لنحاول أن نفهم أنفسنا ؟

هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]