جنوب السودان .. فشل مبكر
تأسيس دولة خاصة بأهل الجنوب هدف توحدت حوله تقريباً معظم النخبة الجنوبية قبل ان تفرضه احترام إرادة الشعب الجنوبي الذي اختار الانفصال بنسبة 98% ورغم حالة الاحتقان التي تميز العلاقة بين الشعبين إلا ان خيار الأغلبية كان من الممكن التأثير فيه إذا توفرت رغبة نخبوية خاصة من قبل التنظيمات التي تنادي بالوحدة وفق سودان جديد ولذلك يتحمل الجميع تطورات الوضع في الجنوب رغم أن الحكم علي دولة بالفشل خلال عامين من عمرها تعتبره جهات رسمية في دولة الجنوب تقييماً غير منصف وان الجهة التي قامت به وهي مجلة السياسة الخارجية الأمريكية لم تطلع علي التقارير الحكومية التي حوت انجازات تعتبر معقولة مقارنة بالفترة الزمنية التي يجري فيها التقييم. ورغم أهمية الزمن في عملية التقييم، ورغم أهمية الزمن في عملية التقييم الا ان الجهات التي تقوم بإعداد مثل تلك التقارير تأخذ في الاعتبار مؤشرات أخري معنية بإنتاج الفشل واستدامته مثل اعتماد الدولة علي مصدر اقتصادي واحد كما هو الحال في دولة الجنوب التي تعتمد علي النفط بنسبة 98%من إجمالي ميزانيتها ولذلك تسبب وقف تصدير النفط عبر الأراضي السودانية بسبب الخلاف علي رسوم العبور في انتكاسة لاقتصاد دولة الجنوب وخسارة بلغت مليارات الدولارات.
من ناحية أخري يبدو ان دولة الجنوب شغلتها السياسة عن ما سواها خاصة علاقتها مع جارتها الشمالية ولذلك تعتمد علي الاستيراد في كل شيء حتي الخضروات والتي كان من الممكن زراعتها علي ضفاف الأنهار العديدة في بلاد تعتبر خزاناً للمياه وعليه تعتبر عاصمة دولة الجنوب التي تستورد كل شيء أكثر عواصم العالم ارتفاعاً في تكاليف المعيشة والخدمات الي جانب ارتفاع البطالة وسط الفئات العمرية المنتجة في وقت تقدر فيه العمالة الأجنبية بنسبة 70% معظمهم من شرق إفريقيا ويعملون في أعمال كان في مقدور الجنوبيين ان يشغلونها بقليل من التدريب لوا أن الأمية في الجنوب تصل الي اعلي نسبة في العالم حيث تجاوزت الـ80% خاصة بين النساء في الوقت الذي تصل فيه نسبة الالتحاق بالمدارس 6% ورغم تعاطف كثير من الدول مع شعب الجنوب الذي عاش تداعيات أطول حرب أهلية يحمل الكثيرين وزرها لاختلال الفهم في إشكالية الهوية السودانية الي ان الكثير من المؤسسات العالمية لم تستطيع ان تقدم مساعدات وتسهيلات ائتمانية لان متوسط دخل الفرد في جنوب السودان والذي يصل الي 984 دولاراً يقل عن الدخل الفردي الذي تحدده تلك المؤسسات لتقديم المساعدات والذي يصل الي 1156 دولاراً.
ولان السياسة الخارجية لأي بلد هي انعكاس للسياسة الداخلية بكل تعقيداتها أو تأتي بحثاً عن مخرج لمشاكل الداخل ولذلك كان لابد لطبيعة الوضع الاقتصادي الذي يعاني من عدة مشاكل أهمها الاعتماد علي مصدر النفط الوحيد ان تتحكم في علاقات الجنوب الخارجية خاصة العلاقة مع دولة السودان والتي شهدت توترات كادت تقود الي الحرب مرات عديدة ففي يناير من العام الماضي قام الجنوب بوقف إنتاج النفط بسبب اختلاف علي رسوم العبور ووصل الأمر حد احتلال هجليج من قبل جيش الجنوب بعد أحداث هجليج تم توقيع بروتوكول للتعاون بأديس أبابا بين البلدين في أواخر سبتمبر م العام الماضي شمل اتفاقيات تناولت عدة ملفات أبرزها الاتفاق الأمني بمنع وإيواء المتمردين وإنشاء منطقة عازلة بعرض 10 كيلو مترات في كل بلد وتحديد رسوم العبور ولم تشمل تلك الاتفاقيات منطقة أبيي ، وعليه تم ضخ النفط في السابع من مايو الماضي لكن الخرطوم قررت الشهر الماضي وقف تصدير النفط الجنوبي عبر أراضيها لكنها رهنت عودته بوقف دعم الجنوب للحركات المسلحة.
إذا الأرض تميد تحت أقدام القائمين علي الأمر في جوبا ويبدو الأداء الحكومي غير مرض لجهات يعدها البعض من أعمدة النظام وفي ظل هذا الاضطراب دعت عدد من القوي السياسية عشية الذكري الثانية للاستقلال لرحيل النظام متهمين الحركة الشعبية بإعادة إنتاج القبلية.
صحيفة الخرطوم
قرشي عوض