هنادي محمد عبد المجيد
رحلتي من الشك إلى الإيمان (1)
وغرقت في مكتبة البلدية بطنطا وأنا صبي أقرأ لشبلي شميل وسلامة موسي وأتعرف على فرويد ودارون ،، وشغفت بالكيميا والطبيعة والبيولوجيا ،، وكان لي معمل صغير في غرفتي أحضر فيه غاز ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت وأقتل الصراصير بالكلور وأشرح فيه الضفادع ،، وكانت الصيحة التي غمرت العالم هي العلم ،، العلم ،، العلم ، ولا شيء غير العلم .
النظرة الموضوعية هي الطريق ،، لنرفض الغيبيات ولنكف عن إطلاق البخور وترديد الخرافات ،، من يعطينا دبابات وطائرات ويأخذ منا الأديان والعبادات ؟ ،كان ما يصلنا من أنباء العلم الغربي باهرا يخطف أبصارنا وكنا نأخذ عن الغرب كل شيء ،، الكتب والدواء والملابس والمنسوجات والقاطرات والسيارات حتى الأطعمة المعلبة حتى قلم الرصاص والدبوس والإبرة حتى نظم التعليم وقوالب التأليف الأدبي من قصة ومسرحية ورواية حتى ورق الصحف ،، وحول أبطال الغرب وعبقرياته كنا ننسج أحلامنا ومثلنا العليا حول باستير وماركوني ورونتجن وأديسون ،، وحول نابليون وابراهام لنكولن ،، وكرستوفر كولومبس وماجلان ،، كان الغرب هو التقدم ،وكان الشرق العربي هو التخلف والضعف والتخاذل والإنهيار تحت أقدام الإستعمار وكان طبيعيا أن نتصور أن كل ما يأتينا من الغرب هو النور والحق ، وهو السبيل إلى القوة والخلاص ،، ودخلت كلية الطب لأتلقى العلوم باللغة الإنجليزية وأدرس التشريح في مراجع إنجليزية وأتكلم مع أساتذتي في المستشفى باللغة الإنجليزية ،، ليس لأن انجلترا كانت تحتل القناة ، كلن لسبب آخر مشروع وعادل ، هو أن علم الطب الحديث كان صناعة غربية تماما ،وما بدأه العرب في هذه العلوم أيام ابن سينا ،كان مجرد أوليات لا تفي بحاجات العصر ،، وقد التقط علماء الغرب الخيط من حيث انتهى ابن سينا والباحثون العرب ثم استأنفوا الطريق بإمكانيات متطورة ومعامل ومختبرات وملايين الجنيهات المرصودة للبحث ،فسبقوا الأولين من العرب والفرس والعجم ،وأقاموا صرح علم الطب الحديث والفسيولوجيا والتشريح والباثولوجيا وأصبحوا بحق مرجعا ،، وتعلمت مع ما تعلمت في كتب الطب ،النظرة العلمية ، وأنه لا يصح إقامة حكم بدون حيثيات من الواقع وشواهد من الحس ،وأن العلم يبدأ من المحسوس والمنظور والملموس وأن العلم ذاته هو عملية جمع شواهد واستخراج قوانين ،، وما لا يقع تحت الحس فهو في النظرة العلمية غير موجود ، وأن الغيب لا حساب له في الحكم العلمي ،، بهذا العقل العلمي المادي البحت بدأت رحلتي في عالم العقيدة ، وبالرغم من هذه الأرضية المادية وهذا الإنطلاق من المحسوسات الذي ينكر كل ماهو غيب فإني لم أستطع أن أنفي أو استبعد القوة الإلاهية ،، كان العلم يقدم إلى صورة عن الكون بالغة الإحكام والإنضباط ، كل شيء من ورقة الشجر إلى جناح الفراش إلى ذرة الرمل فيها تناسق ونظام وجمال ،، الكون كله مبني وفق هندسة وقوانين دقيقة ،، وكل شيء يتحرك بحساب من الذرة المتناهية في الصغر إلى الفلك العظيم إلى الشمس وكواكبها إلى المجرة الهائلة التي تحوي أكثر من ألف مليون شمس ،إلى السماء المترامية التي يقول لنا الفلك إن فيها أكثر من ألف مليون مجرة كل هذا الوجود اللامتناهي من أصغر إلكترون إلى أعظم جرم سماوي كنت أراه بمعزوفة متناسقة الأنغام مضبوطة التوزيع كل حركة فيها بمقدار ،أشبه بالبدن المتكامل الذي فيه روح ،، كان العلم يمدني بوسيلة أتصور بها الله بطريقة مادية ”
هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]