يتداولون ..!!
**ممتاز..الحكومة مجتهدة جدا في تطوير اقتصاد البلد وذات إيقاع سريع في جلب كل وسائل الرفاهية لما تبقى من الشعب، ولا أدري لم يعارضها بعض الساسة وتنتقدها الصحف والناس، وهي بكل هذا الجد والاجتهاد في مجال الاقتصاد؟..على سبيل المثال، أي كنموذج من نماذج الجهد المبذول والإيقاع السريع، لقد تم جمع كل ولاة ولايات السودان بالخرطوم في اجتماع مسمى بالتدوالي، وتداولوا..نعم تداولوا بعمق – حفظهم الله – مآل الوضع الاقتصادي الراهن وما يجب عليه أن يكون في المستقبل، ثم فكروا وتدبروا وقرروا وضع خارطة استثمارية بكل ولاية، على أن تكتمل تلك الخارطة بنهارية مارس المرتقب..ألا يعتبر حدثا كهذا دليل جهد مقدر وإيقاع سريع ؟.. نعم، بعد ربع قرن إلا قليلا من الحكم المتواصل، شرعوا في رسم خارطة استثمارية، على أن يكتمل رسم الخارطة – وليس تنفيذ ما فيها – في نهاية مارس ..!!
** أية حكومة، ديمقراطية كانت أو عسكرية، عندما تستلم الحكم يجب أن تكون في معيتها حزمة برامج، ومنها البرنامج الاقتصادي.. وكما تعلمون بأن الخرائط الاستثمارية جزء أصيل من ذاك البرنامج الاقتصادي، البعض الحاكم يرسم تلك الخرائط قبل الاستيلاء على الحكم والبعض الآخر يرسمها بعد الاستيلاء مباشرة، بحيث تصبح الخارطة الاستثمارية جزءاً من التخطيط الإستراتيجي الذي يتم تنفيذه على مراحل زمنية وحسب أولويات الناس والبلد.. ولكن ما يحدث حاليا – يا كافي البلا – يؤكد أن الحكومة الحالية عندما استولت على الحكم قبل ربع قرن لم تكن في معيتها غير برنامج من شاكلة (ياخ كدي نقلبها في الأول، ولي قدام نشوف حكاية البرامج والخرائط والخطط وغيرها).. ثم توالت سنوات الحكم عاما تلو الآخر، وتحت مسميات مختلفة وأشكال غريبة – شيء مشروع حضاري وشيء تمكين وشيء شراكة وشيء تحالف وشيء برنامج وطني و شيء خج وغيرها-بيد أن جوهر النهج الحاكم لم يتغير إطلاقا، وطوال هذه السنوات التي تقترب الى ربع القرن لم تكن في معية ذاك النهج أية خارطة استثمارية، وخير دليل على ذلك هو هذا الاجتماع التداولي المراد به وعدا فحواه ( خلاص فُرجت، كلها تلاتة شهور وخرائطنا تكون جااااااهزة)..!!
** وما يجب عليك التحديق فيه أيها المواطن المنتظر شهر مارس، هو أن هؤلاء الولاة الذين يعدون رئاسة الجمهورية بتجهيز خرائطهم الاستثمارية، بعضهم يجثم على صدر الناس ومنصب الوالي منذ عقد إلا قليلا، وبعضهم تكتوي به رعيته والمنصب منذ نصف عقد، وأقصرهم عمرا في إرهاق أهل ولايته هو من جاءت به الانتخابات الأخيرة، أي منذ عام ونيف..ولك أن تتخيل بأنهم كانوا – طوال تلك الفترات المتفاوتة – يعملون فقط ببرنامج ( رزق اليوم باليوم)، وبخارطة ( شملة كنيزي وقدها رباعي)، وأخيرا – بعد خراب سوبا وأخواتها – انتبهوا بأن المسؤولية تقتضي وضع برنامج اقتصادي يشمل خرائط استثمارية..لحسن حظ الولاة أن الاستثمار مصطلح اقتصادي وليس برجل اقتصادي، ولو كان كذلك لتمرد عليهم وقاتلهم كما تفعل الحركات المسلحة، إذ لايوفرون لهذا الاستثمار المغضوب عليه من المناخ غير الرسوم والإتاوات وأوامر القبض كما حدث لرجال المال والأعمال بالباقير من قبل محلية الكاملين، ولا يعدون لهذا الاستثمار المنكوب من القوانين غير تلك التي تتقاطع فيها السلطات ومستويات الحكم بحيث تسلم السلطة المركزية المستثمر أرضا يجب عليه أن ينتزعها من السلطات الولائية بالأجاويد ومن السلطات المحلية بالإتاوات ثم من المواطنين بالمحاكم، وحين يستلم أرضه – لو استلم طبعا – يكون قد أعلن إفلاسه أو هرب بجلده .. ما هكذا يدار اقتصاد البلاد وعبادها أيها المتداولون، فاذهبوا الى إثيوبيا – القريبة دي- واسألوا سادتها عن سر جذب بلادهم لكل ما كان يجب أن يكون استثمارا في بلادنا .. نعم تداولوا في أديس وتعلموا منها، فالخرطوم لا تتقن غير فن الطرد.!!
[/JUSTIFY]
إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]