هنادي محمد عبد المجيد

ماهو الدين ؟

ماهو الدين ؟
قال صاحبي : اسمع ،اذا كانت عندكم جَنَّة كما تقولون ،فأنا أوَّلُ واحد سوف يدخلها فأنا أكثر ديناً من كثير من دعاتِكم من أصحاب اللحى والمسابح إياهم ، قلت: أكثر دينا ! ماذا تعنى بهذا ؟ أعني أني لا أؤذي أحداً ولا أسرق ،ولا أقتل ،ولا أرتشي ،ولا أحسد ،ولا أحقد ، ولا أضمر سوءاً لمخلوق ،ولا أنوي إلاَّ الخير ،ولا أهدف إلا إلى النفع العام ،أصحو وأنام بضمير مستريح وشعار حياتي هو الإصلاح ما استطعت ،أليس هذا هو الدين ؟ ألا تقولون عندكم أن الدين المعاملة ؟ ،، قلت له : هذا شيء له اسم آخر ،اسمه حسن السير والسلوك ،وهو من مقتضياته ،والدين له معنى واحد هو معرفة الإلاه ،، أن تعرف إلاهك حق المعرفة ،ويكون بينك وبين هذا الإلاه سلوك ومعاملة ،، أن تعرف إلاهك عظيماً جليلاً قريباً مجيباً يسمع ويرى فتدعوه راكعاً ساجداً خاشعاً خشوع العبد للرب ،، هذه المعاملة الخاصة بينك وبين الرب هي الدين ،، أما حسن معاملتك لإخوانك فهي من مقتضيات هذا التدين وهي في حقيقة الأمر معاملة للرب أيضا .
يقول نبينا عليه الصلاة والسلام : { إن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل } فمن أحب الله أحب مخلوقاته وأحسن إليها ،أما إذا اقتصرت معاملاتك على الناس لا تعترف إلا بهم ولا ترى غيرهم ،ولا ترى غير الدنيا فأنت كافر تماماً وإن أحسنت السير والسلوك مع هؤلاء الناس ،إنما يدل حسن سيرك وسلوكك على الفطانة والسياسة والكياسة والطبع اللبيب وليس على الدين فأنت تريد أن تكسب الناس لتنجح في حياتك ، وحسن سيرك وسلوكك ذريعة إلى كسب الدنيا فحسب ، وهذه طباع أكثر الكفار أمثالك ،، رد علي قائلا : صدقني أنا أشعر أحياناً بأن هناك قوة ،،قلت : قوة ؟ قال : نعم ثمة قوة مجهولة وراء الكون ،أنا أؤمن تماما بأن هناك قوة ،، قلت : وما تصوُّرك لهذه القوة ؟ أتتصورها كائنا يسمع ويرى ويعقل ويتعهد مخلوقاته بالرعاية والهداية وينزل لهم الكتب ويبعث لهم الرسل ويستجيب لصرخاتهم وتوسلاتهم ؟ قال : بصراحة أنا لا أصدق هذا الكلام ولا أتصوره ،وأكثر من هذا أراه ساذجا لا يليق بهذه القوة العظيمة – تنزه سبحانه وتعالى -قلت له: إذن هي قوة مغناطيسية عمياء تسوق الكون في عبثية لا خلاق لها ،وهذه هي الصفة التي تليق بقوتك العظيمة ! قال : ربما ! رددت عليه : بئس ما تصورت إلاهك ،خلق لك البصر فتصورته أعمى
وخلق لك الرشد فتصورته عابثا أخرق ،،والله إنك الكافر بعينه ، ولو أحسنت السير والسلوك مدى الدهر وإن أعمالك الصالحة مصيرها الإحباط يوم الحساب وأن تتبدد هباءاً منثوراً ،، رد قائلاً : ألا يكون هذا ظلماً ؟ قلت له: بل هو عين العدل ،، فقد تصورت هذه الأعمال من ذاتك ليس وراءها الهادي الذي هداك والرشيد الذي أرشدك فظلمت إلاهك ،وأنكرت فضله ،وهذا هو الفرق بين طيبات المؤمن وطيبات الكافر ، إذا استوى الإثنان في حسن السير والسلوك الظاهر ،فكلاهما قد يبني مستشفى لعلاج المرضى ،فيقول الكافر أنا بنيت هذا المستشفى العظيم للناس ،، ويقول المؤمن : وفقني ربي إلى بناء هذا المستشفى للناس وما كنت إلا واسطة خير ،وما أكبر الفرق ،وأحد أسند الفضل لصاحب الفضل ولم يبق لنفسه فضلاً إلا مجرد الوساطة وحتى هذه يشكر عليها الله ويقول : أحمدك يا ربي أن جعلتني سبباً والآخر أسند الفضل لنفسه وراح يقول : أنا ،، أنا ،، أنا كل شيء ،فارق كبير بين الكبرياء والتواضع ،وبين العلو وخفض الجناح ،،بين الجبروت والوداعة ،ولهذا فأنتم في ديانتكم الوثنية وإيمانكم بهذه القوة الكهرومغناطيسية العمياء لا تصلون ولا تسجدون ،، قال: ولماذا نصلي ولمن نصلي ؟ ،إني لا أرى لصلاتكم هذه أي حكمة ،ولماذا كل تلك الحركات أما كان يكفي الخشوع ؟ قلت له : حكمة الصلاة أن يتحطم هذا الكبرياء المُزيَّف الذي تعيش فيه لحظة سجودك وملامسة جبهتك التراب وقولك بلسانك وقلبك
سبحان ربي الأعلى” وقد عرفت مكانك أخيرا وأنك أنت الأدنى وهو الأعلى ،وأنك تراب على التراب ،وهو ذات منزهة من فوق سبع سماوات ،، أما لماذا الحركات في الصلاة ،ولماذا لا نكتفي بالخشوع القلبي فإني أسألك بدوري : ولماذا خلق لك الجسد أصلا ؟ ولماذا لا تكتفي بالحب الشفوي فتريد أن تعانق وتقبل ؟ لماذا لا تكتفي بالكرم الشفوي فتجود باليد والمال ؟ بل خلق الله لك الجسد إذا كان خشوعك صادقاً فاض على جسدك فركعت وسجدت ، وإن كان خشوعك زائفاً لم يتعد لسانك .
سألني مرة أخرى : هل تعتقد أنك ستدخل الجنة ؟ ،، قلت له : كلنا سنرد النار ثم يُنَجِّي الله الذين اتقوا ،ولا أعرف هل اتقيت أم لا ، يعلم هذا علام القلوب ،وكل عملي للأسف حبر على ورق ، وقد يسلم العمل ولا تسلم النية ،، وقد تسلم النية ولا يسلم الإخلاص ،فيظن الواحد منا أنه يعمل الخير لوجه الله وهو يعمله للشهرة والدنيا والجاه بين الناس ،وما أكثر ما يخدع الواحد منا في نفسه ويدخل عليه التلبيس وحسن الظن والإطمئنان الكاذب من حيث لا يدري ،، نسأل الله السلامة ،،
سألني قائلا : وهل يستطيع الإنسان أن يكون مُخلِصاً ؟ قلت له : لا يملك ذلك من تلقاء نفسه ،وإنما الله هو الذي يخلص القلوب ،ولهذا يتكلم القرآن في أكثر الآيات عن المُخلَصين وليس المُخلِصين ، ولكن الله وعد بأن ” يهدي إليه من يُنيب” أي كل من يؤوب ويرجع إليه ،فعليك بالرجوع إليه وعليه الباقي ”
كان ذلك الحوار بين المفكر الكبير الدكتور مصطفى محمود وصديقه الرجل المُلحد في محاولة منه لشرح كيف يكون الدين وماهو .. ولنا لقاء

هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]