إليكم ……….. الطاهر ساتي البروف حميدة .. لقد أحسنت ..!!
** هي منطقة تمنطقك – وتقنعك – بأن التهميش في بلادي لالون له ولاعرق ولاثقافة ولاجغرافية..اسمها مدينة الفتح، تقع على بعد أربعين كيلومتراً فقط لاغير من رئاسة حكومة ولاية الخرطوم، وتحيط بها جبال كرري وفيافيها..سألت أحدهم: لماذا يلقبونها بالمدينة، رغم أنها – شكلاً ومضموناً – محض قرية بلاخدمات؟، فأجابوا: لأنها إحدى مدائن ولاية الخرطوم، وتقع في جغرافية محلية كرري..بها 147 مربعاً سكنياً، قوامها ما يقدر بـ (615 منزلاً)، وبكثافة سكانية تقترب من نصف مليون نسمة..كثافة نسبة الأطفال فيها لاتخطئها عين، وكذلك تكاثف البؤس في بيوتات وشوارع الفتح التي تنتظر الإنارة رغم أن أعمدة الكهرباء تشقها طولاً وعرضاً، ولكن من أين لتلك البيوتات الفقيرة وأهلها رسوم التوصيل؟..هنا تذكرت إحدي تجارب ولاية البحر الأحمر حين تمد الأحياء والأرياف بالكهرباء، وهي تجربة لجان الحي التي تلزم القادر على توصيل الخدمة لغير القادر، ثم حرص حكومتهم التي تلزم ديوان الزكاة بتغطية ما تبقى، ولذلك سواسية كل أهل الحي بكل مدائن البحر الأحمر في الاستمتاع بخدمة الكهرباء..فالحال هناك ليس كما حال أطراف العاصمة، حيث (العين بصيرة واليد قصيرة)..وهكذا تقريباً حال الأهل بالفتح حين تدثرهم ظلمات الليل وتحدق أعينهم في نجوم السماء وأسلاك الكهرباء العابرة ..!!
** مستشفى الفتح، كلفت ميزانية مبناه وأجهزته الناس والبلد مبلغاً يتجاوز (5 مليارات جنيه)، شيدته حكومة الولاية في العام 2007، به عيادات مكتملة وعنابر واسعة ومعامل ذات أجهزة ومعدات وصيدلية و(182 كادراً)..ومع ذلك، تقزم هذا المشروع، بعد ثلاثة أشهر فقط لاغير من شهر الافتتاح، بحيث صار مجرد (مركز صحي)، أوأقل..تلك العنابر لم تستقبل مريضاً منذ العام 2007، ليس لقلة المرضى في مدينة الفتح، بل لأن تلك العيادات لم يستقر فيها اختصاصي منذ عام الافتتاح..نعم (182 كادراً)، ليس فيهم (ولا اختصاصي)..وليس في الرقم ما يدهش حين تعلم بأن بالمستشفى، على سبيل المثال، (6 مساعدين طباخ، 11 فرد تأمين، 3 فراشين، كمتاشر مراسلة، كمتاشر ممرض، وجنائني و..و..)..وهكذا تدهشك الأرقام التي يتوسطها (صفر الاختصاصي)..ولذلك سألت أحدهم بمنتهى الدهشة: (الستة مساعدين طباخ ديل بيطبخوا شنو؟، ولي منو؟)، فالعنابر لاتزال بطلاء بوهية الافتتاح، وكذلك الأسرة فيها – بمراتبها – لاتزال جديدة منذ العام 2007، فلمن يطبخ الطباخ؟، ولمن يعمل هذا الفيلق – 182 – من العاملين ؟..ولا إجابة غير أنهم يحولون مرضاهم إلى مشافي الخرطوم الأخرى..نعم مهام كل هذا الفيلق لاتتجاوز (تحويل المريض)، ولله في عبقرية الخدمة المدنية السودانية شؤون ..!!
** وكم كان مؤلما مشهد استقبال الأهل بالفتح لوزير الصحة بولاية الخرطوم ..امرأة في العقد الرابع، تتوسل: (يا وزير معقول نحن نقطع المسافة دي كلها عشان نلد في مستشفى أمدرمان؟)..وشاب يتوكأ على عصاه ويزاحم الناس وأسأله عن مبتغاه، فيهمس (محتاج عملية و داك بيتنا، وليه أمشي أرقد في مستشفى أمدرمان؟)..وآخر يسب ويلعن بعيداً عن الحشد، فأقترب منه لأعرف السبب، فيصرخ في وجهي: (ياخ لينا أربعة سنة بننبح عايزين إخصائي، عايزين إخصائي ، ومافي زول جايب خبرنا، هم أصلا بنوه ليه لو ما قادرين يشغلوه؟)..ومنسق ما يسمونها باللجان الشعبية أيضا مستاء..ومعتمدهم يشعر بأن كل الحشد مستاء من وضع المستشفى، وكذلك مستاء من عجزه عن فعل شيء، ولذلك يخاطب وزير الصحة بخطاب فحواه: (والله نشكرك على زيارتك، لكن بصراحة كده المستشفى لازم يشتغل، وأنا ما بفهم كلام الدكاترة والانجليزي بتاعهم، لكن الشيء البعرفوا المريض لمن يدخل هنا لازم يلقى الدكتور والدواء)..وفجأة، ملأ دوي التصفيق ردهات المستشفى، تصفيق مرده: الإعلان عن أسماء اختصاصي الجراحة والجلدية والأطفال و النساء والتوليد، الذين يجب عليهم مباشرة أعمالهم اعتباراً من الغد، مع توجيهات بتجهيز مساكنهم داخل المستشفى..ثم قرارات – قبيل المغرب بساعتين – بالإعلان عن وظائف شاغرة، ليس لمساعد الطباخ والفراش، بل (لاختصاصيين في تخصصات مختلفة)..وهكذا تم يوم السبت الفائت الافتتاح الفعلي لمرفق صحي تم افتتاحه – صورياً – في العام 2007.. وعليه، باسم كل مواطن ظل منسياً خلف جبال كرري – ويقترب عددهم إلى نصف المليون – لا خير فينا إن لم نقلها (شكراً للبروف مأمون حميدة، لقد أحسنت).. !!
إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]