هنادي محمد عبد المجيد

امرأة ستايل‏

امرأة ستايل‏
المرأة في الغالب عملية جدا ، واقعية جدا عاطفية حسية ، نظرتها قريبة ، لا تذهب في العادة لأبعد من زينتها ، فستانها ، مطبخها ، بيتها ، رجلها ، أولادها ، عائلتها ، جيرتها على الأكثر ،، اهتماماتها في العادة لا تتجاوز هذا النطاق العملي ، وهي تترك للرجل أن ينظر لأبعد من هذا ، فيهتم بوطنه وبلده وبالعالم ، ويكافح على مستويات أكثر عمومية ، فيكافح من أجل الحرية والعدالة والفكر والفن ، بينما تكتفي هي بالوقوف بعيداً لتبتسم وتصفق وتشجع ، ولكنها لا تفكر في أن تشارك جدياً في هذه الأهداف المجردة ،، هذا حال الأغلبية من النساء ، والإستثناءات القليلة للنساء اللاتي كان لهن دور في الفكر والفن والسياسة ، كانت طرائف ونوادر تروى كما تروى قصص البطولة ، وهي تؤكد القاعدة ولا تنفيها ،، المرأة عملية ، ولا تحفل كثيرا بالقضايا المجردة ،، الإنسانية والعالم والفكر والعدالة كلمات مجردة بالنسبة للمرأة ،وهي تفكر فيها فقط على المستوى العملي ، وفي نطاق محدود هو أولادها وبيتها ،، إن بيتها هو العالم وأولادها هم الإنسانية ، وحينما يخرج رجل مثل سقراط على تقاليد بلده ويخرب بيته في سبيل أفكاره الإنسانية ،فإن زوجته تلطم على خديها ولا تفهم كيف يفعل رجلها المجنون هذه المصيبة ! ، وبالمثل حينما يوزع تولوستوي أرضه على الفلاحين ، لأنه لا يطبق مناظر الظلم والإستعباد والإقطاع ، فإن زوجته تشق ثوبها على جنونه ،، وحينما يُعلن جاليليو نظرياته في الفلك ويُعتقل ويُعذب في محاكم التفتيش فإن زوجته لا تفهم شيئا في نهضة الفلك هذه ، إن كل ما يهمها أن الأولاد سوف يشردون ، إن العلم كلمة مجردة بالنسبة لها ، إن كل ما يهمها هو قوت العيال والأمان المادي للبيت والأسرة ،، وهذا يعني أن الخيال والتفكير النظري هما لعبة الرجل وليسا لعبة المرأة ،، المرأة ليست خيالية ،، المرأة عملية واقعية تفكر على أساس، وبناءً على موضوعات قريبة منها وفي مجال حواسها ،، وعلى هذا الأساس تفكر بيوت الأزياء حينما تحاول اجتذاب المرأة بمبتكراتها وموضاتها ،إنها تجسم الأنوثة بأسلوب واقعي وبتفصيلات حسية عملية ، إنها تقدم الأنوثة على أنها أعضاء ،وهي بهذا تعكس التفكير الحسي الواقعي كما هو في العقلية النسائية ،، ولكني أنا الرجل ،لي تفكيرآخر ، الأنوثة عندي خصائص مجردة معنوية روحانية ،إنها في الصوت والنبرة والرائحة والحركة ،وفي نظرة العين الفاترة الدافئة العطوفة الحنونة ، وفي اللفتة الفياضة بالرأفة والأمومة ،، ومعنى هذا أن هناك نوعاً من عدم الوفاق حالياً بين تفكير المرأة وتفكير الرجل ، هناك اختلافات جوهرية في أسلوب الحياة وأسلوب الفهم بين الإثنين ،، المرأة تريد خدمات ملموسة ومسرَّات واقعية قريبة في مجال زينتها ولبسها ومصروفها وأكلها وشربها وبيتها ، والرجل لا يهتم كثيرا بهذه المطالب الملموسة القريبة ،وهو أحيانا يضحي بها في سبيل أهداف بعيدة مجردة غير ملموسة مثل الفن والفكر والحرية والوطنية ،، والمرأة في الغالب لا تفهم هذه التضحية ،إنها تريد عيشة لوكس وفخفخة ،، وفكر إيه ياعم وأنا مالي ومال الفكر ؟ خليك إشبع بالفكر بتاعك ،، لكن أنا عاوزة أعيش !
وبالطبع هناك أقلية من النساء تفهم وتقدِّر وتشجع وتحب بالقلب وبالروح ، وتعرف ما هو هذا القلق الذي يشعر به الرجل على المعنويات والقيم المجردة ،،
والفنان يكون محظوظاً إذا عثر على واحدة من هذه القلة الحساسة والتواقة بروحها إلى الجمال والكمال والقيم المعنوية ،، ولكن الأغلبية من الجنس اللطيف تنفعل أكثر
بالذهب والألماظ وتبرق عيونها مثل عيون القطط في الليل أمام واجهات العربات وتوكيلات المرسيدس وغيرها ، ووأنا لا أقول هذا لأهاجم المرأة أو أعيبها ،فليس هذا التفكير طبيعة فيها ، وليس غريزة ،وليس صفة أصيلة من صفاتها ،وإنما هو صفة مكتسبة لا ذنب لها في اكتسابها ، الذنب ذنبنا نحن ،، لقد اكتسبت المرأة هذه الصفة نتيجة تخصصها في مجال البيت وعزلتها بين جدرانه وانفصالها عن المشاركة العامة في المجتمع أجيالاً طويلة متعاقبة بناء على طلبنا وبناء على تسلطنا وتحكمنا وأوامرنا بأن تكون الست للمطبخ والرجل للمجتمع والفن ،، وكانت نتيجة توزيع الإختصاصات بهذه الطريقة ، هذه الثغرة بين تفكير النساء والرجال والخلاف بين الإثنين على أهداف لا يلتقون فيها أو يكون اللقاء فيها بالضرب وبالعافية ،، والحل في نظري ليس المقالات وحدها ،وإنما الحل الحقيقي هو الزمن ،، إن نزول المرأة إلى ميدان العمل واصطدامها بالمسئولية الإجتماعية وتسلمها مقاليد حريتها سوف يؤدي في البداية إلى موجات انحلال نتيجة انبهار المرأة بحريتها الجديدة ، واندفاعها في تجربة هذه الحرية للحصول على لذات سريعة ،ملموسة من كل نوع ،وهو انحلال سوف ينتهي بأن تعود من مغامراتها مُجَرَّحَة مُهانة مُبتذلة ضائعة خائبة ،، وتكون نتيجة هذا الإنحلال أن تثوب إلى نفسها ،وتفتقد القيم والمعنويات وتبحث عنها ،وتقلق عليها وتفكر فيها وتهتم بها ،وتسعى إليها كما يسعى الرجل ،وبذلك يلتقي الإثنان في التفكير وفي الحياة وفي الحب ، وقد اكتشفا معاً أن الأهداف المجردة والمعاني يمكن أن تكون ملموسة ومُقنعة ومرغوبة أكثر من الأكل والشرب واللبس ،، ومثل هذا التطور سوف يحتاج إلى مائة سنة ،نشربها نحن في الوحدة والإنتظار ويشربنها هن في الضياع ،، وقلة من النساء الذكيات بالطبع سوف تكون عندهن الفطنة التي يكتشفن بها هذه الحقيقة ويتطوَّرْن من تلقاء أنفسهن ويوفرن على أنفسهن المائة سنة ،لأنهن يمتلكن أرواحا حساسة قادرة ،، وهؤلاء النساء الذكيات النموذجيات سوف يعرفن كيف يقصصن عقولهن على الموضة ،وكيف يقصصن أرواحهن على باترون آخر مبتكرات الفكر والفن والحب والجمال ،، وكيف تكون الواحدة منهن حلوة في تقاطيعها ، حلوة في لبسها حلوة في سجاياها ،، كيف تكون مُشتهاة وبعيدة المنال ، كيف تكون ذات كبرياء وبسيطة ، وكيف تكون عاقلة وطفلة ،وكيف تكون لطيفة ومُهابة ،وكيف تكون ست بيت وقارئة ذوَّاقة ، وكيف تكون صديقة وعاشقة ،، لتحاول كل واحدة منكن أن تكون هذه المرأة الذكية النموذجية التي تفهم سير الدنيا وتوفر على نفسها مائة سنة من التطور ،، وتجسد موذج آخر ستايل تصل إليه ” كانت هذه تأملات رجل ، لما يجب أن تكون عليه كل إمرأة تحب أن تكون إمرأة على الموضة آخر موديل وآخر صيحة ، ولكن ليس من ناحية الملبس كما هو المتعارف ولكن من الناحية الوجدانية والفكرية فهل تستطيعين أن تكوني (إمرأة ستايل) ؟ حاولي وستصلين فعزيمة النساء لا تفتر إن أردن ،، من كتاب (في الحب والحياة ) كانت هذه الكلمات الناضجات من رجل اعتزل النساء فلم يجد تلك المرأة الستايل التي تناسب ظروفه الخاصة ، المفكر الدكتور مصطفى محمود ، ولنا لقاء

هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]