أوسع مداخل الفساد..!!
** ما بالتيار منذ منتصف الأسبوع الفائت والى يومنا هذا، قضية فساد طبيعية وليس في الأمر مايدهش.. ومختصر القضية على النحو الآتي: بعد عقدين من الزمان، اكتشفت السلطات أن مدير شركة الأقطان عاث في ذاك المنصب فسادا موثقا، ثم ألقت بالقبض عليه وعلى آخر وأودعتهما الحبس لحين اكتمال التحري والتحقيق، أو هكذا القضية بلا تفاصيل.. ليس في هذا المدير ما يدهش، ولا في فساد أي مدير آخر، فالمدهش في هذا الزمان العجيب هو أن يكمل أي مدير دورته الإدارية بلا فساد، ومثل هذا المدير – إن وُجد – يستحق أن يكون مانشيتا رئيسا في صحف الخرطوم، وكذلك يجب أن تحتفي به مجالس الناس ومنتدياتهم.. مآل شركة الأقطان وأموالها وكل أخبار وعقود وشركات مديرها العام وأسرته لم تكن مخبوءة عن أعين صناع القرار بأجهزة الدولة، بدليل الوثائق التي تحمل توقيعاتهم والتي نشرتها التيار.. بل حتى صحف الخرطوم – بالتصريح تارة وبالتلميح تارة أخرى – ظلت تشير الى نهج الفساد القابع في شركة الأقطان منذ عقدين من الزمان..!!
** نعم وثائق فساد إدارة تلك الشركة ليست مدهشة، ولكن تأمل عُمر الإدارة لكي تجد عذر الفساد لكل المفسدين، وليس لإدارة شركة الأقطان فحسب.. ظل المدير مديرا لتلك الشركة منذ عشرين عاما.. هكذا، عقدين من الزمان والمدير يحتكر المنصب، ولم تنصحه نفسه بالاستقالة ولم تلزمه أية جهة بالإقالة، فلماذا لا يفسد؟.. هنا مكمن الداء أيها الأفاضل، ومن هنا تتفرع كل أوجه الفساد.. فالمرء حين تحدثه نفسه بأنه على كل شيء قدير، وأنه الأفضل والأقوى، يطل الفساد ويتكاثر المفسدون.. والمرء لا تحدثه نفسه بذاك الحديث ما لم يجد المناخ المناسب، أي المناخ الذي لا يراقب ولا يحاسب ولا يغير.. فلا تلوموا إدارة شركة الأقطان، فإن وثائق فسادها لم تزدهر إلا حين وجدت المناخ المناسب الذي وفر لها كل عوامل الازدهار.. بالسجون خبراء وأطباء في علم النفس والاجتماع، مناط بهم مهام تحليل الجريمة والمدان بها، وذلك بدراسة الأحوال النفسية والاجتماعية للمدان، ثم اكتشاف أسباب جريمته والعوامل الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بتلك الأسباب، وملخص كل هذا هو ما يعرف بمناخ الجريمة.. والحكومة بحاجة الى إجراء دراسة لمناخ نهجها، لتعرف أسباب الفساد، هذا إن كانت لا تعرف.. وليس من نقاء المناخ أن يُترك الإداري في منصبه مدى الحياة، كما حال مدير شركة الأقطان وآخرين يتنقلون من منصب الى آخر وكأن دورة عجلة الحياة توقفت عندهم.. إحساس المرء بأنه يحتكر القيادة هو الذي يولد فيه روح الفساد، بحيث يأتي بآل بيته شركاء معه في ذات الاحتكار..ولذلك، يجب ألا يدهشنا حين يمتلك ابن مدير شركة الأقطان شركة تستورد الخيش وغيره بضعف السعر.. كم كان عمر هذا الابن قبل عشرين عاما، أي حين تولى والده ذاك المنصب؟، أو هكذا يجب أن يسأل صناع مناخ الاحتكار أنفسهم، قبل أن يسألوأ الأب وابنه عن شركاتهما الخاصة التي ترضع من ثدي شركة الأقطان..!!
** وليس بعيدا عما يحدث، يشرح الدكتور الطيب أبوقناية رئيس آلية مكافحة الفساد أهداف الآلية، قائلا: (الهدف الأساسي من الآلية إيجاد سبل وقائية وعقابية وعلاجية للفساد).. حسنا، فلتحصر الآلية الوحدات والهيئات والشركات الحكومية، ثم تحصر أسماء الذين تولوا مناصب الإدارة العامة ومجالس الإدارة فقط في العقد الأخير وليس في العقدين الأخيرين، لتكتشف بأن مدير شركة الأقطان أحسنهم حالا.. أي ظل قابعا ومحتكرا هذا المنصب لمدة عشرين عاما، ولم يجمع – كما الآخرين – بين هذا المنصب ورئاسة مجلس إدارة كذا شركة وكذا بنك وكذا جامعة وكذا مستشفى و.. و.. و.. المهم، الاحتكار هو أوسع المداخل التي يدخل بها الفساد الى حياة الناس، ومكافحة كل أنواع الاحتكار هي المدخل الوحيد لمكافحة كل أنواع الفساد.. علما بأن مكافحة كل أنواع الاحتكار بحاجة الى (إرادة سياسية)..!!
[/JUSTIFY]
إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]