هنادي محمد عبد المجيد

وعاظ يحكمون عقول السعوديين‏

وعاظ يحكمون عقول السعوديين‏
سابقاً أوردت جزءا من كتاب المفكر السعودي الدكتور علي محمد الرباعي ( الصحوة الإسلامية في الميزان ، وعاظ يحكمون عقول السعوديين) أُصدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب في مارس ٢٠١٠ وله نسخة إلكترونية يمكن الإطلاع عليها لمن رغب في ذلك ،، يتناسب عرض هذا الكتاب ونشر محتواه وحادثة سرقة الشيخ ( عائض القرني) لكتاب الأستاذة (سلوى العضيدان )،كما أنه يتناسب وواقع الحال المُعاش الآن في السودان ،وقضية الفتوى التي يُلقي بها كل من أراد أن يعتلي قمم القيادة السياسية، فالكتاب يتحدث تحديدا عن هؤلاء الوعاظ الذين شوَّشوا عقيدة وعقلية الإنسان المسلم في سبيل خلق كيان خاص بهم وعلى حساب الدين والمتدينين وإليكم وجهة نظره :
يكاد يُجمِع مفكرو العالم الإسلامي – التنويريون منهم على وجه الخصوص – على أن الخطاب الصحوي خطاب إستمالي ومُراوغ ، يقوم على مخاطبة الوجدان ودغدغة أو استثارة العواطف والمشاعر لتظل جمهرة المُصلين وروَّاد المساجد لأداء الفروض الخمسة أو صلاة الجمعة أُسارى للخطاب الوعظي المُحرك في كل الإتجاهات عدا الصائبة منها غالبا ً، فقد ركَّز الخطاب ( الصحوي) على مسؤولياتنا عن الدفاع عن المسلمين في كل مكان ، وجنح بالشباب في متاهات الدفاع عن مشاريع خيالية ومستحيلة التحقق ،وأرهق المجتمع بالفكر الحركي والأدبيات رموزه ، ولعل الخطاب قابل للمراجعة في بعض أشخاصه ورموزه ، كما وقع من الداعية الدكتور عائض القرني ،والمفكر سلمان العودة وآخرين ،إلا أن إتاحة الفرصة لكل مُلتح أو مُقصِّر لثوبه أن يعظ الناس ، ويتنسم المنابر ليدلي بما شاء دون وعي لخطورة ما يقول مدعاة للفساد ، متى علمنا أن معظم المتصدين للوعظ من محدودي التعليم ،أو المعجبين بشخصياتهم وبلاغتهم أو أنهم عشاق للشهرة والتمظر ، وبرغم أن وزارة الشئون الإسلامية تجاهد في سبيل إخراج جيل من الوعاظ المستنيرين ،و المتمكنين من علمهم وحكمتهم وقدراتهم في مخاطبة المجتمع بما يعقل وبما يمكنه التفاعل معه دون مشقة ، إلا أن بلوغ الهدف عسير المنال ، فالأعداد في تزايد والوعظ والخطابة غدت مهنة من لا مهنة له ، وهذا مدعاة للعبث بمشاعر المواطنين ، ولخبطة أوراقهم ، وتحميلهم ما لا يحتمل من هموم الآخرين ، ونسيانهم لهمومهم ،لكن يظل للبضاعة رواجها وللسوق روَّاده ،ولكل فريق متابعوه ومعجبوه يتعامون عن سلبياته ويترنمون بإيجابياته ،،
الصحويون جلاد أم ضحايا :
يتوقف القارئ لواقع الصحويين العربي أمام شخصياتهم فيخرج بإنطباع مُؤداه أنه ربما تعرَّض معظمهم لضغوط واضطهاد وانتهاك عرض أو تطاول على خصوصية ،إما على مستوى أُسري أو مُجتمعي أو سُلطوي ما حوَّلهم إلى ضحايا سيمت سوء العذاب على أيدي أجهزة مخابرات وأنظمة جائرة ،، ومن المعلوم لراصدي الحركات الدينية السياسية ،أن معظم رموزها تعرضوا للسجن والتعذيب والنيل من مكانتهم ،،
ليسوا سواء :
لا أريد أن أخرج من منهجية البحث الموضوعي ، ومن المنطق أن نؤكد أن الصحويين ليسوا سواء ، فمنهم الأقرب إلى الإعتدال في قوله وفعله وأفكاره ، ومنهم الأقرب إلى الإعتلال ، ومنهم الأقرب إلى الإختلال في المنهج والسلوك ، مع قناعتي أن الإسلام غير قابل للتسييس والتحزب ، ولا بأس هنا من استعادة مقولة الدكتور طه عبد الرحمن عن التسييس في كتابه ( العمل الديني وتجديد العقل ) إذ يقول :” التسييس آفة تضر بالحركة ،إصلاحية كانت أم ثورية ،ذلك أنه يَجرُّها من حيث تشعر إلى ألوان من التصارع والتغالب والتحاقد والتكايد ،الأمرالذي ينحرف بها عن المجرى الإنساني ” من هنا أؤمل ألا يُظَن أني ناقم على تيار الصحوة الذي كنت أحد أتباعه ، وتعشمت عناء الوصول إلى قمم الرضا ،وقلت بلساني مالم يكن راسخا في قناعاتي ، وتضامنت ومجدت الرموز في حقبة لا أنكرها ولا أُبيح لأحد أن يستنكرها عليَّ فما أنا إلا من غُزية إن غوت غويت وإن ترشد غُزية أرشد ،،
التأنيس والأنسنة لا التسييس :
أجدني منحازا إلى فكرة التأصيل لأنسنة الخطاب الديني ،بإعتبار أن دعوته في جوهرها إنسانية وعالمية ، إضافة إلى تأنيس الإسلام وترغيب الناس فيه من خلال إبراز محاسنه العظمى ،ومنها احترام الإنسان والإعلاء من شأن الفرد ،شأن إعلائه للجماعة في ظل حفظ الكرامة والحرية والحقوق ، وهنا أقول بتجرد : لا أسوأ من دولة أو حاكم أو داعية يُقامر بالإسلام لتحقيق مصلحة دنيوية ،ويجعل الله مطيَّته للوصول إلى مأرب ذاتي لا يخدم به إلا نفسه ، فالدين لله والوطن للجميع ومن قال إنه يمتلك كامل الحقيقة فهو إما مُدعي وإما جاهل ، ونحن بأمس الحاجة إلى بناء الإنسان السوي غير المؤدلج ليتحمل مسؤولياته وتبعاته الوطنية والإنسانية من خلال الفكر التجديدي ،وتنقية الفضاء المعرفي من شوائب الماضي ، وهنا أستعيد مقولة للكِندي :” من تاجر بدينه باعه بأبخس الأثمان ”
يعتبر كتاب الدكتور علي الرباعي من المؤلفات التحديثية فالمؤلف ينتمي لفصيل التنويريين ، الذين يدعون إلى مواكبة الدين للعصر الحديث وإلى أهمية أن يكون لكل ًفرد عقليته النقدية المتفردة ويكون له فقه خاص به ، وأن لا يلغي الفرد عقله تماما وينقاد خلف كل من ألقى خطاباً دينياً عاطفيا ،
هذا النص كُتب قبل عامين من الآن إلا أنه يُعبِّر تماما عن واقع حالنا في الأمة الإسلامية عامة والسودان خاصة وياليتنا نعتبر ونخاطب فينا الضمير حتى نصدق مع أنفسنا ويستقيم بنا الحال ،، إستقيموا يرحمكم الله .

هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]