أحمد عبدالملك : أقدار السودان المؤلمة
وقد أدى تأخر وصول الإغاثة للمناطق المنكوبة إلى غضب المواطنين الذين خرجوا في تظاهرات احتجاجية على ما سموه « تقاعس السلطة» عن نجدتهم. كما قامت الشرطة بتفريق المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع، لكأن حال السودانيين تقول: «آه من ظهري وآه من بطني»، كما نقول في المثل الخليجي. كما أعلنت الحكومة السودانية أن أغلب الوفيات نجمت عن الصواعق الكهربائية وتهدم المنازل، كما غرق آخرون في المياه العميقة. وقد بلغ عدد الضحايا حسب إحصائيات أولية 18 شخصاً. وحوصر السكان في بعض الأماكن ما اضطر الحكومة إلى إسقاط جوي للأغذية والمعونات للمواطنين المعزولين. وأقامت دول خليجية جسوراً للإغاثة بينها وبين السودان، بما يحتمه الواجب تجاه شعب السودان الشقيق.
تأتي هذه الحوادث المؤسفة في وقت ما زال السودان يعاني فيه من أزمات سياسية طويلة الأمد في ظل حكومات عسكرية متعاقبة، وبعد مماحكات بين الحزب الحاكم والمعارضة في مناطق متعددة من هذا البلد، خصوصاً بعد انفصال الجنوب في دولة مستقلة، وحدوث خصومات حول مناطق حدودية مع الجنوب حول قضية تصدير النفط (الجنوبي) عبر الموانئ السودانية (الشمالية).
كما يتقدم الحوار -الذي لا يتقدم- حزبُ الأمة برئاسة الإمام الصادق المهدي الذي يحتفظ بملاحظات حول الأداء السياسي للحزب الحاكم في السودان، ويُصر على ضرروة تجنب أي توتر في العلاقات بين الخرطوم ودولة جنوب السودان.
وقد دعا الرئيس السوداني عمر البشير بعد حادثة السيول، شعبه إلى «نبذ العادات السيئة ومكافحة جشع التجار وغلاء الأسعار والانحياز إلى السلام بعيداً عن السلاح»!.
ويبدو أن السودان يعاني «عادات سيئة» في الإدارة. وأن بعض الكتاب السودانيين أعلنوها صراحة أن النظام في بلدهم -وعلى مدى سنوات حكمه التي لم يطلها الربيع العربي حتى اليوم وهذا مدعاة للعجب- لم يهتم بتخطيط البنى التحتية: الأحياء السكنية، والطرقات، والصرف الصحي، التي من الممكن أن تخفف من المأساة الطبيعية الحالية التي لا تختلف بالطبع عن «المأساة السياسية» التي يعيشها السودان.
فبعد انسلاخ الجنوب في التاسع من يوليو 2011 استناداً إلى اتفاقية «نيفاشا» للسلام الموقعة في كينيا عام 2005، زادت مشكلات السودان، بالرغم من أن الاتفاقية كانت هشة، ولم تحد من تبادل الاتهامات بين السودان القديم والسودان الجديد، خصوصاً بعد أن أضحت أزمة النفط الجنوبي محوراً مهما للخلاف بين البلدين.
وعلى الرغم من أن «العسكر» في السودان لم يساهموا في تحقيق تطلعات الشعب السوداني وأرهقوا هذا الشعب بشعارات «إخماد ثورات الجنوب»، ووعدوا بدولة «مستقيمة» لا تعرف الفساد، إلا أن تلك الوعود لم تتحقق، تعالوا لنقرأ ما قاله البشير في البيان الأول يوم الثلاثين من يونيو 1989:
«لقد عايشنا في الفترة السابقة ديموقراطية مزيفة ومؤسسات ثورية فاشلة، وإرادة المواطنين قد تم تزييفها بشعارات براقة مضللة، وشراء الذمم والتهريج السياسي، فمؤسسات الحكم الرسمية لم تكن إلا مسرحاً لآخر قرارات السادة، ومشهداً للصراعات والفوضى الحزبية، حتى مجلس رأس الدولة لم يكن إلا مسخاً مشوهاً!. أما رئيس الوزراء، فقد أضاع وقت البلاد وبدد طاقاتها بكثرة الكلام والتردد في السياسات والتقلب في المواقف حتى فقد مصداقيته».
لقد مرّ على هذا الكلام أكثر من 24 عاماً هو عمرُ حكم عمر البشير!. ولا نعلم ما الذي تغيّر؟!، وما الذي تحقق للسودان؟!. فهل يعيش السودان ديموقراطية حقيقية، كما انتقد البشير شكلها المزيف؟!، وهل يعيش السودان مؤسسات ناجحة وإدارة مميزة للأحداث والنزعات العرقية؟، استطاعت أن ترفع السودان من «الثورية الفاشلة»، كما قال البشير؟!، وهل استطاعت حكومة السودان «وقف هدر المال» بالتصدي للحركات المناوئة لها؟!، أو تخطيط البلاد بحيث تخرج من أدنى درجات الدول النامية، بل الدول الفاشلة ؟!، حل السودان في المرتبة 173 في تقرير منظمة الشفافية الدولية لهذا العام، هل قامت مؤسسات حكم «ناجحة» خلال 24 عاماً؟!، هل «قلّ» الكلام البراق الذي انتقده البشير؟!، هل أصلح النظام علاقاته مع المجتمع الدولي؟!. هل استفاد النظام الحالي -طوال 24 عاماً- من أخطاء الماضي التي كانت حاضرة في البيان الأول الذي أصدره للشعب؟.
نحن نعتقد أن السودان في حاجة لوقوف العرب معه، هذا حق وواجب، لكن واقع حال السودان المضطرب الذي عبّر عنه الصادق المهدي زعيم حزب الأمة في 25 من مايو 2013 بقوله: «لم يعد بالإمكان حكم السودان من الخرطوم»!. كما أنه شدد على أن مشكلة السودان لن تحل في ظل النظام الحالي، هذا الواقع مؤلم وخطير. وهذه شهادة «سودانية المنشأ» -لا دخل لنا فيها- وقد تبعتها شهادة من الأمين العام لحزب الأمة، الدكتور إبراهيم الأمين الذي أعلن أن «السودان يواجه حالياً محنة، وأن «وضعه خطير ومخيف، بعد أن زالت هيبة الدولة»، مشيراً إلى «عجز السلطة المركزية عن السيطرة على الأوضاع، إلى جانب تعدد التيارات داخل الحكومة». كما تخوف الأمين من انهيار الدولة، بعد أن «اجتمعت فيها كل الأمراض التي تُصيب الدولة «الرخوة» أو «الفاشلة».
أين الحديث عن «سلة الغذاء العربي»؟!، أين مبدعو السودان؟!، أين إمكانات السياحة و(السفاري) في السودان؟!، أين فرص الاستثمار العربي في بلد يتشطر ويتجزأ مع الزمن؟!.
نقول: إن «سيول» السياسة أكثر ضراوة من سيول الطبيعة، وهي التي تهدد مستقبل السودان.
الشرق
أحمد عبد الملك – أكاديمي وإعلامي قطري