رأي ومقالات
العمدة/ حسن الطاهر أبو خموجة : ورقة خاصة بالمشاركة في دستور السودان القادم موجهات حسابية في الشأن السوداني
في إطار البحث عن رؤية تكاملية لدستور السودان القادم نرى لا بد أن نتصفح كتابنا تحت الأضواء الكاشفة ثم نغربل التاريخ لنتمكن من تحديد الروابط الإنسانية بيننا كأمة نشأت في مكان واحد، وذلك لأننا كمجتمع بقبائله وطوائفه وأحزابه ظللنا نتصارع صراعاً فوضوياً كأننا ليس لدينا في السودان ما يستحق الاحترام. برغم الهموم المشتركة والقواسم الكثيرة التي تربط بين مجتمعنا وبكل أسف لا نحسن الظن في بعضنا فهناك من يسير بمنهجية زراعة الأشواك والبعض مصاب بضيق الأفق وانسداد التفكير حتى في الاتفاق على الإسلام كمنهج رباني، وانتقلت إلينا عقلية المؤامرات فأصبحت فئات تكفر بعضها البعض وزيد من الناس يعمل لعزل الدين عن الدولة وعمرو يكتفي بالقرآن وينكر السنة، وآخر يتحلى مفرطاً في التعاطي مع السنة وجميعهم ليس لديهم مشروعات لتسيير الحياة، القيمة الأساسية للدستور تتمثل في المقاربة بين التيارات المتصارعة من أجل إيجاد أرضية مشتركة إذاناً ببناء مشروع توافقي يمكن أن يشكل مرجعية جامعة إذا ما احترمها الناس كسلطة عليا الفصل فيها نهائي وتأتي على رأس أولويات هذه المرجعية تقنين ممارسة السياسة، وتحديد علاقة المعارضة للحكومة إلى جانب الإجابة عن الأسئلة الحائرة كعلاقة الحاكم بالمحكومين، وعلاقة المحكومين بالحاكم، ونوع الحكم، وموقع العدل والمساواة والحياة العامة، والواجبات الوطنية، وموقع القوات المسلحة من الحكم وكذلك الأمن واللغة الرسمية، والهوية والدين، والفصل بين السلطات، والسياسات المالية والعلاقات الخارجية، ثم موقع العاصمة القومية ومقترح توزيعها على ثلاث ولايات ذلك لتسهيل الخدمات لمواطني المنطقة خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن الخرطوم الآن يسكنها حوالى سبع ملايين نسمة. ٭ السياسة في فكر الإسلام: السياسة في الإسلام هي الكياسة والفطنة ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله وتقوم على التعاون لا على العدوان والتآمر مثلما يحدث الآن، وتقوم على الاعتدال لا على الخصومة والغلو مثل ما يحدث الآن وتقوم على سياسة الجسد الواحد لا على سياسة التفرقة والشتات (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً) وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان. ٭ حقوق الإنسان في الإسلام: إن الحقوق التي كفلها الإسلام غير موجودة في أي وثيقة في وجه الأرض، كل الضمانات الاجتماعية مكفولة بدءًا من اختيار الأبوين وحضانة الأسرة وحق التنشئة والتعليم، وتتسع الدائرة لتشمل حقوق ذي القربى وصلة الرحم ثم حق المسلم على المسلم، وحق الجار وحق الزوج، وحق الزوجة، وحق الفرد على المجتمع وحق المجتمع على الفرد، والميراث والنسب والانتساب هذا إضافة للحقوق المدنية على الدولة والحقوق المادية ويكفي ما جاء بالقرآن من تكريم في هذا الشأن قال تعالى:
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) سورة الإسراء الآية (70).
ولو بحثنا في هذا السياق سنجد أصول التربية في الإسلام، وفكر الإسلام الحضاري والبعد الأخلاقي والإنساني. ٭ تجربة الإنقاذ في الحُكم: عندما جاءت الإنقاذ إلى حُكم السودان ما كانت تمتلك الأموال ولكن كانت لديها الكوادر المستنيرة من الرجال والطاقات الإيمانية المكبوتة، والثقة في النفس ولذلك لم تلتمس العون من غير اللَّه فتولدت لديها الدوافع لإثبات الذات، وأرادت التطور ولكنها قبل ذلك فقد قرأت تجارب الماضي وواقع الشعب واحتياجاته، فاعتمدت على التخطيط الإستراتيجي مع سياسة التشدد ثم حشدت طاقات الناس فاستخدمت في ذلك القناعات بدل الترضيات، فشكلت اتجاهات الشعب السوداني على هذه الأسس، وكسبت رهان التحدي والآن لا أحد ينكر أن الإنقاذ قد اهتمت بالشعب من خلال خطها الإستراتيجي الذي يسعى لتصحيح مسيرة أمة ويتلخص في الآتي:
1/ التوسع في التعليم العام من أجل استيعاب الأعداد المأهولة من الناشئة.
2/ التوسع في التعليم العالي والبحث العلمي من خلال ثورة التعليم العالي ودونكم المدن الجامعية وصندوق رعاية الطلاب وصندوق تشغيل الخريجين.
3/ الرعاية الاجتماعية خاصة رعاية الطفولة والأمومة ورعاية الشرائح الضعيفة. خصصت وزارة خاصة للرعاية الاجتماعية ـ خصصت وزارة كاملة للموارد البشرية لما يتمتع به السودان.
4/ اهتمت بمراكز التدريب المهني والتقني والتوسعات في خدمات الكهرباء والمياه والخزانات التوسع في الخدمات الصحية وخاصة إنشاء التأمين الصحي لخدمة الضعفاء.
5/ الطرق وقطاع النقل والمواصلات والإعلام وارتفع وعي الناس.
6/ وضع إستراتيجية للزراعة على الأسس المطلوبة من خلال إقامة الخزانات المائية الضخمة مثل سد مروي والروصيرص وأعالي نهر عطبرة وسد الشريك والحماداب من أجل تحسين طرق الري وصناعة الدواء والمدن الصناعية كجياد والأسمنت والسكر والحديد والذهب والبلاستيك وكمطاحن القمح والإيثانول والطاقات المتجددة والنفط والغاز والسيارات وأعمدة الكهرباء والطائرات بل والعتاد الحربي.
فالدستور الذي نبحث عنه قبل السياقة لا بد أن تتوفر فيه أرضية المشتركات الثابتة التي تتيح للأمة السودانية تقاسم الخيرات والسلطات بتوافق ورضا تام لأن الأمم الراشدة التي تحترم تاريخها تحاول من خلال الدستور بلورة رؤيتها الكلية بحيث يصير كل فرد في المجتمع مشارك في الوطن، وحتى نكون كذلك لا بد أن تعم مفاهيم الوطن والمصلحة العليا على مفاهيم الأنا والقبيلة والحزب وأن نقدم مفاهيم الأصل على الفرع والثوابت على المتحركات، وذلك لا يتأتى إلا بالتراضي السياسي على مجمل القضايا الحساسة ثم من بعد ذلك توظف قدرات الأمة من أجل النماء والازدهار، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تحديد إجابات واضحة لمجمل التساؤلات إلا بعد تشريح القضايا، وحتى لا تكون مهمة الدستور مثل مهمة الثوب الذي يغطي جزءاً من الجسد ويترك باقيه وتظل العيوب باقية دعونا نتناول القضايا التي يمكن أن تكون هادئة وملهمة في بناء الدستور وهي:
أولاً: قضية الأصل والنسل والقبيلة: في الثابت أن الناس أصلهم واحد من آدم وآدم من تراب كما قال علي كرم اللَّه وجهه، إن كان لكم نسب تتفاخرون به فالطين والماء فتطور النسب وانتقل في عملية التزاوج بين آدم وحواء ثم بعد الطوفان انحصر في أبناء نوح عليه السلام الثلاثة سام، وحام، يافث، ولا يستطيع أحد أن يقول لنا بعد هذه الحتمية أنه من ذهب وذاك من فضة فالناس أصلهم واحد من خلق اللَّه وكلنا من مكون واحد وجئنا للوجود بكيفية واحدة وسنغادر إلى الدار الآخرة بكيفية واحدة فالمسألة عند هذا الحد محسومة تماماً فقضية الأصل والنسل محسومة ولكن القبلية أساس البلاء فكثير من التجاوزات التي ترتكب باسم القبيلة تفرض علينا ضرورة المراجعة والتذكير على رأس تلك التجاوزات ظاهرة التخندق في القبيلة، واستقلالها في التحالفات ضد الدولة أو في داخل الأحزاب تشكلت الأحزاب ودونكم الانشقاقات التي حدثت والتي ستحدث ودونكم العمل السياسي المنحرف الذي يمارس لاستقطاب الكوتة على استقطاب حساب استقطاب الكادر الحي مما أصاب الممارسة السياسية بشيء من الترهل وأفقدها التفاعل الحقيقي.
صحيفة الإنتباهة
[/JUSTIFY]