تحقيقات وتقارير
تعطل الانترنت.. توقفت الحياة
وصباح اليوم يكون هو العاشر منذ أن تعطل الكيبل البحري قبالة ساحل الاسكندرية بالبحر الابيض المتوسط مرتان تم اصلاح العطل في المرة الاولى وجاري إصلاح العطب الثاني مما أدى الى تعطل الانترنت في اجزاء واسعة من القارة الافريقية والشرق الاوسط والهند باكستان، ولأن قطاعات كبيرة قد تأثرت بانقطاع الخدمة قامت «الصحافة» بجولة وسط مستخدمي الانترنت بمختلف اتجاهاتهم والاتصال بمزودي الخدمة لمعرفة أسباب الانقطاع والأثر الذي تركه انقطاع الخدمة:
* وكالات السفر:
في البداية التقينا بمروة آدم الموظفة بوكالة سناس للسفر والسياحة قالت بأن عملهم يعتمد على الانترنت بصورة كلية حيث أثرت في تأخير مواعيد الاقلاع وبالتالي يمتد الضرر الي شريحة كبيرة من فئات المجتمع في مقدمتهم رجال الاعمال الذين ارتبط عملهم بالاجتماعات والصفقات التي تجري خارج الوطن فكثير منهم أجل مواعيد سفره ومنهم من قام بالغائه بالمرة اما على مستوى الوكالة فان العمل لدينا تحول من الكتروني الى يدوي بالتالي تحول نظام التذاكر الالكترونية الى التذاكر اليدوية وكذلك الحال انطوي على المعاملات التي اصبحت تتم عبر التلفون والفاكس، فاجمالي الخسارة عند مروة وصل الى نسبة 50% من الدخل حتى بعد ان قاموا باستخدام مزود خدمة بديل وهي ضعيفة في نظرها ولا تملك الا ان تقول: اتمنى ان تعود خدمة الانترنت في القريب، ولكنها تضيف على العموم يبقى تأثرنا نحن (أي وكالات السفر) هو اقل حجماً من الضرر الذي يمكن ان تتعرض له خطوط الطيران فنحن تعاملنا يتم بالتنسيق مع هذه الوكالات التي يرتبط عملها بفروع في مختلف القارات بالتالي أية وسيلة للاتصال بين افرع خطوط الطيران في العالم غير الانترنت هي صعبة ومعقدة.
* خطوط الطيران :
وفي مقر طيران الاتحاد قالت الاستاذة هدى خالد احمد الادارية بالوكالة ان انقطاع الانترنت ادى بالفعلى الى تعطيل حركة المعاملات داخل الوكالة بصورة شبه كاملة مما أضطرهم الى استخدام مزود ثاني (ضعيف) وهذا بدوره ادى الى تقليل الحجز لدى العملاء لأن معظم تعاملاتهم تتم عبرالانترنت بما في ذلك عمليات الحجز والتذاكر والاستفسارات التي ترد اليهم عبر البريد الالكتروني، وتضيف «هدى» بأن الاشكالية لازالت قائمة اذا لم ترجع الخدمة في اقرب فرصة لأنهم فقدوا كثيراً من عملائهم بسبب انقطاع وتردي خدمة الانترنت.
حديث هُدى يفتح الباب واسعاً أمام تساؤلات كثيرة مثل كيف تعتمد الشركات المزودة للانترنت على مخدم واحد؟ في بلد أصبح يعتمد بصورة أساسية على خدمة الانترنت في الحجز والتذاكر والتحويلات المالية والمعاملات المصرفية اضافة الى التواصل الاجتماعي ما بين أبناء الوطن في مختلف دول العالم. طرحنا هذا السؤال على الدكتورعادل عبدالعزيز الامين العام للجمعية السودانية لتقانة المعلومات فاجاب يفترض أن يكون هنالك أكثر من خط اتصال عبر الالياف الضوئية لتزويد الخدمة وهذا ما سيتم السعي اليه حالياً عن طريق خط الالياف الضوئية البديل الذي يمر عبر ميناء بورتسودان الى جنوب افريقيا. أما انقطاع خط الالياف الضوئية لم يكن في الحسبان وذلك لندرة حدوثها، بمعنى ان التصميم الاساسي لشبكات الاتصال هو خطوط الالياف الضوئية لأنها أضمن وأكثر أماناً واسرع وسيلة للاتصال والخطوط التي يتم مدها في أعماق البحار من النادر جداً أن تتعرض لحوادث الإنقطاع.
ومن الناحية الاقتصادية لا يكون مجدياً مد خطوط احتياطية بين نفس نقطتي الاتصال، ولكن يمكننا القول إن تكرر حوادث انقطاع الانترنت سيجبر الشركات المقدمة لهذا النوع من الاتصالات على التفكير في البدائل، أما في الوقت الراهن فهو أمر يبقى صعب المنال.
|* الصرافات المالية:
وفي شارع البلدية وعند صرافة العمدة التي كانت فيما مضى تمتلئ بالزبائن وجدناها شبه خالية اللهم الا اثنين من العملاء جاءا لاستبدال عملات ورقية سألت الحارث الأمين عن السبب أجاب ودون تردد بأن الانترنت هو السبب، مشيراً الى الازمة التي تعيشها معظم دول القارة هذه الايام بتوقف خدمة الانترنت ، واضاف بان عمل الصرافات كما هو معلوم عبارة عن تحاويل صادرة وواردة وعمليات بيع وشراء العملات، والاخيرة هذه اي عمليات البيع والشراء لم تتأثر حسبما افاد الحارث لأنها مرتبطة بالشبكة المحلية اما التحاويل الصادرة فتأثرت بنسبة تصل الى 95% أي يمكننا القول ان التحاويل الصادرة اصبحت شبه معطلة، بالتالي تصبح عملية التحويل مرهونة بالحظ كما يقول فعندما يأتي الزبون لتحويل مال ما فهذا يعتمد على الانترنت فقد صادفه الحظ وتتم العملية وقد لا تتم العملية كما يحدث في كثير من الاحوال في ظل توقف الخدمة.
والازمة لم تقتصر على عمليات التحويل الصادرة فقط وانما أخذت بعداً آخر فكما أفاد الحارث فإن كثيراً من العملاء لم يتفهم الازمة القائمة واصبحوا يشككون في مصداقية عمل الصرافات بصفة عامة وبالتالي يصبح المتضرر هو الصرافات هذا بالاضافة الى المشاكل الاخرى المتعلقة بالمراسلات الالكترونية وغيرها من العمليات التي تتم عبر الانترنت.
* مقاهي الانترنت:
(أصبحت افتح المحل بعد الثانية ظهراً بدلاً من الثامنة صباحاً لأن الخدمة أصلاً مقطوعة بالتالي أفتح متأخراً لأرشد صرف الكهرباء) الحديث أعلاه كان لأحمد صاحب أحد محلات مقاهي الانترنت بالخرطوم فالمحل الذي يتوسط المدينة خال من الزبائن رغم زحام المنطقة من حوله لأن خدمة الانترنت متوقفة بالتالي يقول احمد أنه اصبح يصرف مما يدخره في سابق الايام .
ويتفق محمد تاج السر صاحب محلات الصبيرابي بالسوق العربي مع أحمد في أن توقف الانترنت يوقف عملهم ومصدر رزقهم ويضيف بأن هنالك ضرر اكبر من الضرر المادي الذي يتعرض له أصحاب محلات الانترنت وهو ضرر الطلاب الباحثين في الجامعات الذين يأتون الى المقاهي ليستخرجوا البحوث والاطباء الذين يدخلون النت لاستخراج النتائج التي يمتحنون لها عبر الانترنت وبعض المستفيدين من فرص العمل والتقديم عبر الشبكة العنكبوتية.
* الطلاب:
محمد ومصعب طلاب في المرحلة الجامعية دخلوا أحد مقاهي الانترنت عندما كانت «الصحافة» تقوم بجولة وسط المناطق المتأثرة بتوقف خدمة الانترنت سألناهم عن تأثرهم بتوقف الخدمة فأجاب محمد : نحن فقط نريد أن نعرف متى ستعود الخدمة ، فأصبحنا نعتمد بصورة كاملة على الانترنت في استخراج المعلومات والمراجع التي لا تتوفر في مكتبات الجامعة اضافة الى التواصل مع الأهل خارج السودان فنحن لا نستطيع ان نتصل يومياً عبر الهاتف مع الأهل والتحدث معهم لوقت طويل الا عبر الانترنت فلك ان تتخيل مدى تأثرنا.
ويضيف محمد ابراهيم طالب الهندسة بالقول ان انقطاع خدمة الانترنت أدى الى خلق فراغ كبير بالنسبة له لأنه وحسبما يقول يجلس للبحث في الانترنت قرابة (6) ساعات في اليوم، وفي الغالب ما يتصفح مواقع التصميم والتي لها علاقة بالهندسة ــ حسب تخصصه ـ وأحياناً يستخدم الانترنت للترفيه.
اما لؤي الذي يقول بانه مدمن للانترنت فهو يتصفح كل ساعات الليل ويبحر في كل المجالات بالتالي يرى بان انقطاع الخدمة قد ترك فراغاً كبيراً في حياته .
آدم محمد صاحب أحد مراكز البحوث قال ان الخسارة كبيرة في تعطل الانترنت وذلك لأن المراكز على عكس ما يحدث في السابق أصبحت مرتبطة بصورة كبيرة بالانترنت وذلك لاستخراج البحوث والمراجع في التخصصات المختلفة لان الكتب الورقية أصبحت باهظة الثمن وصعبة المنال بالنسبة لطالب العلم في دولة مثل السودان، وتوقف الانترنت أصبح ازمة حقيقية نعايشها ولا نملك الا ان نقول لمن يأتي طلباً للخدمة (الخدمة متوقفة او «نت مافي»)؟.
* شركات التسوق:
(وضعنا مختلف من الشركات الاخرى، نحن أكثر المتضررين باعتبارنا شركة الكترونية تعتمد بصفة كلية على خدمة الانترنت في التسوق وكل عمليات البيع والشراء) هذا كان حديث وليد زين العابدين صاحب شركة سابل للتسوق الالكتورني التي تعمل في مجال السيارات فيقول بأن شركته تقوم على عمليات البيع والشراء للسيارات عبر الانترنت فبالتالي تبقي الآثار على عملنا كشركة الكترونية كبيرة خاصة ونحن في بداية المشوار فهذا الانقطاع يؤدي بالتاكيد الى نفور عدد ليس بالقليل من العملاء ، خاصة وان الفكرة مستحدثة وجديدة في السودان بالتالي ادى الانقطاع الى ركود تام في عمليات البيع والشراء لأنه لاتوجد وسيلة اتصال او تواصل مع العملاء بالرغم من أنه لدينا سيرفر يربط اوروبا بالشرق الاوسط ويغطي نسبة 50% من حاجتنا للانترنت ولكن تبقى المشكلة في عملائنا الذين لا يستطيعون التمتع بخدمة الانترنت التي تتم عبرها عمليات البيع والشراء.
ويضيف بأن توقف «النت» جعلهم عاجزين عن التعامل مع العملاء فالاشكالية في نظر وليد كبيرة ويتمنى ان تدخل الدولة لحل الازمة بصورة جذرية لأن الانترنت أصبح عاملاً رئيسياً لقيام الحكومة الالكترونية التي تنادي الدولة بانشائها.
* مزودو الخدمة:
كانت «الصحافة» قد اتصلت بزين العابدين عبدالعظيم مدير المكتب التنفيذي لشركة سوداتل المزود الرئيسي لخدمة الانترنت بالسودان فسألته عن أسباب توقف الخدمة فأجاب بأن توقف الخدمة سببه عطل في إحدى الكابلات بالبحر الابيض المتوسط القادم من اوروبا مروراً بقبرص وتونس ومن ثم يربط افريقيا بجنوب اوروبا نتيجة لهزة ارضية ادت الى قطع الكيبل وبالتالي تضررت كثير من الدول الافريقية بنسبة تصل الى 90% مما عطل حركة الانترنت بهذه الدول. وسألنا زين العابدين عن الحلول التي اتخذتها «سوداتل» لمعالجة الازمة فقال بأن الشركة الفرنسية المالكة لهذه الكابلات قد أرسلت فرقاً للصيانة وبالفعل قامت بصيانة الكيبل في الموقع الذي تعطل ورجعت الخدمة يوم 26 ديسمبر الجاري ولكن بعد 12 ساعة حدث قطع ثاني لنفس الكيبل في مكان آخر بالبحر مما اوقف خدمة الانترنت مرة اخرى، وعلى الفور تحركت السفينة بعد صيانة الموقع الاول الى المكان الذي انقطع فيه الكيبل للمرة الثانية وبعد معاينة الموقع رفع الفريق تقريره للشركة الذي اكد فيه ان الصيانة لا يمكن ان تكتمل قبل 6 يناير القادم.
ويقول بأن الخدمة الآن متوفرة عبر الانترنت اللاسلكي وهذا لا ينطبق على الذين لديهم خطوط DSL فهي تكون بصورة بطيئة.
* الصرافات الآلية:
كانت «الصحافة» قد اوردت خبراً لشركة الخدمات المصرفية بأن (المشاكل التى تواجهها بطاقات الصرف مع الآليات المخصصة لذلك فى عدد من المراكز الى العطل الذى اصاب شبكة الإنترنت الخاصة بسوداتل) الأمر الذي نفاه المدير التنفيذي لشركة سوداتل حيث قال: (شبكة الصرافات الآلية (ATM) الداخلية هذه شبكة لا علاقة لها البتة بالعطل في خدمة الانترنت ولا الاتصال بالانترنت وانما هي شبكة محلية تعمل بخطوط الالياف الضوئية الداخلية التي تتبع للشركة بالتالي لم تتأثر شبكة الصرافات الداخلية بتعطل الانترنت).
* الحلول البديلة :
ويواصل المهندس زين ليقول من جانبنا عندما شعرنا بالازمة استأجرنا سعات جديدة في مسارات اخرى عبر سنغافورة حتى يتم تعويض الفاقد في الاتصال بالانترنت وتم توزيعه على المرافق الحيوية والاستراتيجية فكل البنوك الآن تعمل بصورة جيدة وتحويلاتها الخارجية تسير بصورة طبيعية وقد تكون هناك زحمة في الاتصال لكن الخدمة مستمرة. وايضاً وفرنا الخدمة لشركات الطيران وبعض الشركات الكبرى مثل البترول و الطيران جميعها تعمل بصورة جيدة وبكفاءة (ما بطالة) على حد تعبيره.
* تقانة المعلومات:
د.عادل عبد العزيز الفكي الامين العام للجمعية السودانية لتقانة المعلومات قال ان السبب هو انقطاع الكيبل البحري ما بين الاسنكدرية وايطاليا اثر على منطقة الشرق الاوسط وافريقيا والهند وباكستان ودول شرق آسيا بنسب متفاوتة وحركة الانترنت تعتمد بنسبة تصل الى 80% على خطوط الألياف الضوئية ونسبة بسيطة على الاتصالات عبر الاقمار الاصطناعية.
سألت الدكتور عادل عن أثر توقف خدمة الانترنت فاجاب ان الأثر يشمل كثيراً من مناحي الحياة خاصة بالنسبة للاعمال التجارية والمصرفية وشركات الحجز الجوي وغيرها من الاعمال الهامة جميعها تأثرت. بالتالي تبقى الخسارة كبيرة ولايمكن حسابها بأرقام محددة لانه لا توجد احصائيات دقيقة عن الخسائر التي نجمت، ولأن الفوائد كبيرة تبقى الخسائر هي أيضاً كبيرة بكبر الفوائد التي فاتت على المؤسسات والشركات من عدم وجود الشبكة لا يمكن وضع تقديرات لها الا اذا قامت هذه الشركات بالاعلان عن خسائرها بالتالي يمكن عندها وضع حجم التقديرات
وعندما وجهت ذات السؤال للمدير التنفيذي لشركة سوداتل قال ان حسابات الخسارة الآن صعبة لنا كشركة مقدمة لخدمة الانترنت ولكن في نهاية العام عندما يتم الجرد تتضح الخسارة وعندها يمكن حساب خسارة تعطل خدمة الانترنت في الايام الماضية.
* نصائح لمستخدمي الانترنت:
يقول المدير التنفيذي لسوداتل انه يجب على مستخدمي الانترنت وننصح مستخدمي الفئات الصغيرة أو ما يسمى عندهم بالافراد بترشيد استهلاك الانترنت واستخدامه بصورة تتفق والحاجة حتى يمكننا المساعدة في توفير واستمرار الخدمة في المناطق الاستراتيجية والحيوية لحين اكتمال الصيانة بصورة كاملة.
سألت المهندس ابوبكر ميرغني عن معنى ترشيد استهلاك الانترنت فقال: ان الترشيد يعني عدم تحميل المواد ذات طابع الـ (media) اي تلك التي تعنى باغاني الفيديو كليب والافلام وغيرها من الملفات ذات الاحجام الكبيرة وهذا يشمل ايضاً (download) و(upload) هذه المواد، كذلك عدم استخدام الانترنت في وقت لا يحتاج فيه المستخدم الى انترنت، حتى يساعد ذلك في زيادة سرعة حركة البيانات عبر المسارات المتوفرة لدى الشركات المزودة لخدمة الانترنت، ويواصل ابوبكر قائلاً أما المستخدمين الذين لا يستغنون عن الانترنت بسعات كبيرة يمكنهم اللجوء الى استخدام الانترنت الفضائي (v- sat) وهو جهاز لاستخدام الانترنت عبر الاقمارالاصطناعية وهذا يمكن الحصول عليه بعد أخذ ترخيص من الهيئة القومية للاتصالات ويتم تركيبه عبر الاطباق الفضائية ويوفر انترنت بسعات عالية وليس لديه محدوية ولا يعيب عليه الا ثمنه الباهظ وعملية استخراج الترخيص، والآن جميع الشركات والمنظمات من داخل وخارج السودان التي تستخدم الانترنت عبر الاقمار الاصطناعية تعمل بصورة جيدة ولم تتأثر بانقطاع الخدمة وهذا يخص الذين يستخدمون الانترنت عبر الاقمار الاصطناعية بالايجار من خارج الوطن العربي.
شوقي مهدي ـ أمل مؤمن :الصحافة [/ALIGN]